مدرسو التربية الرياضية مشكلة مستعصية

في أوائل الثمانينات افتتحت وزارة التربية معاهد للتربية الرياضية للمعلمين والمعلمات في معظم

المحافظات فاندفع اليها خريجو الثانويات العامة على اختلاف مشاربهم الرياضيون وغيرهم ممن لم يرضعوا حليب الملاعب ويتذوقوا طعم الانتصار بين المستطيلات فتقدموا بأوراقهم الثبوتية وخضعوا الفحوصات شكلية وقبلوا جميعاً ليكتمل النصاب..‏‏

في تلك الآنة سمعت أحد ثقاة الرياضة وملهميها يصرخ بأعلى صوت… طوبى لرياضتنا المدرسية من بعض أولئك الذين لايملكون حروف أبجديتها ومن بعضهن اللواتي لايميزن بين الكرات وسيصبحن بعد سنتين مدرسات في مدارسنا.‏‏

ومرت السنون سريعاً وصراخ أستاذي ما يزال محفوراً في ذاكرتي ورياضتنا المدرسية تترنح على حلبة جهل بعض مدرسيها.‏‏

ومدرساتها وتقاعسهن عن أداء واجباتهن في حصصهن الرسمية فمن المستغرب أن تشاهد مدرساً يرتدي لباساً رياضياً أثناء عمله بل على العكس فهو مصر ارتداء بزته الأنيقة دون أن تتشح بغبار الملاعب.‏‏

وثمة أحاديث شتى تدور في أروقتهم حول الجدوى من تعليم الطلاب بعضاً من مبادىء الألعاب فالأندية هي المسؤولة عن ذلك.‏‏

والأمر الذي يثير الدهشة والحيرة أن إحداهن تتغنى وتفتخر بين زميلاتها بأن مدرستها لهذا العام رائعة ومديرها ممتاز.. أما دروسها فتبدأ بجمع التلاميذ في الباحة مستمر في ثلاث قاطرات لتقذف لهم كرات من شتى الأنواع لتتركهم يعيثون بهم في صراخ لايهدأ دون فائدة.‏‏

إلى أن يتحول لهوهم وهزالهم إلى عراك وجلبة فيما بينهم لاختلافهم على حيازة الكرة وكل ذلك والمدرسة تحتسي كأساً من المتة أو فنجاناً من القهوة في غرفتها والسيجارة لاتفارق فاهها, وهي تلهو بجهازها الخليوي التي تتفنن في إرسال الرسائل والنكات إلى زميلاتها.‏‏

وبينما هي منهمكةفي أمور بلا طائل سقط أحد التلاميذ على الأرض يصرخ ويده مكسورة فوقعت الواقعة واختلط الحابل بالنابل.‏‏

بينما الصفوف الأخرى مهمكة في دروسها متحملين عويل وصراخ الطلاب الذي لايهدأ.‏‏

والسؤال المطروح: إن كل هذه الوقائع التي سردناها هي ليست من نسج الخيال إنما الواقع بعينه , والمؤلم أننا لانجد من يلجمها , فثمة مدراء كثر يعتبرون حصة الرياضة غير هامة ولاتقع في سلم الأولويات..‏‏

والأنكى أن بعض موجهي التربية الرياضية يشاهدون بأم عينهم هذه المشاهد المؤلمة فيغضون الطرف عنها مع ملاحظات طفيفة.. دون أن يستخدموا ما بحوزتهم من عقوبات زاجرة ورادعة بحق كل المستهترين من المدرسين والمدرسات وتنبيه لاذع للمدرسة المعنية.. وعلى الرغم من كل المحاولات الحثيثة التي تتبناها الوزارة بإحداث مراكز نوعية بكافة الألعاب وتفريغ مدرسيها وتقديم كل مستلزمات نجاحها فإن رياضتنا ماتزال تحبو في سريرها كطفل رضيع وما تزال الأندية تضخ أوكسجين الحياة إلى المدارس بدلاً من العكس..‏‏

ونتائجنا في البطولة العربية المدرسية لهذا العام في الجزائر كافية لنضع إصبعنا على جرح رياضتنا رغم كل الملايين التي صرفت من أجلها فرياضة المدرسة ورياضة الأندية صنوان لايفترقان فهم توءمان في جسد واحد..‏‏

وإذا سألنا أشقائنا في المغرب العربي عموماً وتونس على وجه الخصوص عن سر تألقها الأفقي والعمودي في الرياضة فلا بد أن يجيبوا بصوت عال رياضتنا المدرسية هي المنجم لمنتجاتنا والرافد الحقيقي لأبطالنا وتمدنا بأكسيد الحياة ونسغها في ملاعبنا وصالاتنا.‏‏

فهل يستفيد القائمون وأصحاب القرار على رياضتنا المدرسية من تجارب الآخرين, أم أنهم راضون عن ذلك ويغطون في سبات عميق.‏‏

المزيد..