متابعة – أنور الجرادات:حققت كرة القدم مكاسب وأرباحاً هائلةً قُدّرت بملايين الليرات في زمن الاحتراف، جراء الشهرة التي جنتها أكبر الأندية حيث تتجاوز عقود الرعاية لقمصان الأندية الشيء الكثير من المال.
وأصبحت لعبة كرة القدم إحدى الطرق المهمة لتحقيق الأرباح، وإحدى أهم السلع المطلوبة والرائجة التي تلهث وراءها الشركات بغية وضع شعار أو لافتة هنا أو هناك، نظراً للشعبية الكبيرة التي تحظى بها اللعبة من معجبين ومحبين، ويحكم الطرفين، النادي والشركة الراعية، منطق المنفعة المشتركة، حيث يجني النادي الأرباح التي ينفقها على معسكرات وتدريبات الفريق، بينما تحقق الشركات الراعية لعلامتها التجارية الشهرة والانتشار.
في دورينا، تبقى الأوضاع مختلفة والصورة معكوسة فالأندية هي التي تلهث وراء الشركات الراعية بغية عقد رعاية من هنا أو هناك، ومعظم الصفقات التي تتم في ضوء مكالمة أو مجاملة شخصية، لتبقى الرعاية التي تحظى بها الأندية محل سر والعائد من ورائها محدوداً للغاية مقارنة بالتكلفة التي تتكبدها الأندية من نفقات معسكرات وتدريبات وخلافه، لغياب المنفعة التي قد تجنيها تلك الشركات من دورينا.
وبالرغم من مرور وقت لابأس به على تطبيق الاحتراف في دورينا، إلا أن جانب التسويق والرعاية يبقى متأخراً عن ركب الاحتراف العالمي بل الآسيوي والعربي.
لغز العقود
وتبقى قيمة عقود الرعاية التي تبرم بين أنديتنا والشركات الراعية لغزاً وسراً لا يجوز الكشف عن قيمته حيث نادراً ما تعلن الأندية أو الشركات نفسها عن قيمة عقد الرعاية، ويكفي أن تنظر إلى قميص الفريق الأول لأي نادٍ لترى عدد الرعاة المكتوبين على قمصان اللاعبين، وبعض الأندية خلت قمصان لاعبيها من أي رعاة.
منتج غير جيد
و إن المنتج الموجود لدينا وهو كرة القدم ليس بالجودة التي تجعل الشركات والرعاة يتسابقون عليه، بدليل أن الشركات الكبرى لها عقود ورعايات كبرى في مجالات أخرى غير الرياضة وذلك لأن كرة القدم أكثر جاذبية وقوة ومتابعة في منطقتنا، والشركات تبحث عن النادي القوي.
و قوة الفريق ونتائجه وعراقة النادي وقاعدته الجماهيرية والحضور الجماهيري كل هذه أمور تهم الشركات الراعية وهي مفقودة في أنديتنا، كما أن الشركات تنظر للمردود الذي ستحصل عليه مقابل ما ستقوم بدفعه، وهذا مطلب طبيعي وحق مشروع، فالمسمى الصحيح للعلاقة بين الأندية والشركات هوالشراكة وليس الرعاية لأن العقود مبنية على تبادل المنفعة.
وتفتقد الأندية للأفكار المبتكرة بخلق فوائد تجارية وإعلامية للأندية تعادل قيمة المبالغ التي تدفعها الشركات للأندية مقابل الرعاية، كما أن الأحداث الرياضية لدينا مملة ورتيبة ومكررة ولا توجد بها أي إثارة، لذا فإن العزوف الجماهيري مبرر ومنطقي وبعض المباريات لا يحضر بها سوى ٢٠٠ متفرج وربما أقل ! فما الذي ستستفيده الشركة الراعية ؟!
تأخر التسويق
وبالرغم من دخولنا الاحتراف منذ فترة ليست بالقليلة إلا أن مسألة الترويج والتسويق متأخرة للغاية في الأندية، ولا يوجد تفريق بين التسويق والاستثمار والمبيعات وهناك خلط بين المفاهيم الثلاثة وبالتالي فإن الأقسام التجارية في شركات كرة القدم متأخرة، ولا يوجد بها متخصصون في التسويق الرياضي، واليوم ننظر فحسب للمباريات ولا ننظر لتسويق اللاعبين أو المنتجات ولا تجد متجراً احترافياً في أي نادٍ من الأندية الآن، وكل هذه مداخيل للأندية.
و تعتمد ٩٩ % من عقود الرعاية على العلاقات الشخصية، ولا نجد بالأندية من يُنمّي جانب الشراكات مع الشركات، وربط العلامة التجارية بالنادي وبالشركات، ولا نجد تقييماً للعلامة التجارية للأندية أسوة بالشركات، ولا بد من أن تبنى الرعاية على أسس سليمة.
ثقافة مفقودة
إن رعاية الشركات للأندية الطريق الوحيد لتطوير كرة القدم والمشكلة الأساسية تتمثل في غياب ثقافة التسويق ولك أن تتخيل أن اتحاد الكرة لا يمتلك مكتباً للتسويق ولا يحقق أي استفادة من الدوري ومسابقاته المختلفة والمفروض أن الاتحاد هو أهم جهة تحقق للأندية هذا الدعم.
و معظم عقود الرعاية الموجودة بالأمر المباشر، وعادة لا تستمر لأن الأندية لا تقدم الحوافز للشركات، فحتى بطاقات الدعوة للمباريات لا تمنح للشركات، فلا يوجد تسويق احترافي.
و تقدم الشركات الرعاية للأندية من باب المسؤولية المجتمعية أو تحقيق الاستفادة المادية، والمنظومة كلها خطأ، إلا أنه ليس من الخطأ أن تقدم شركات السيارات، على سبيل المثال، رعايتها للأندية في هيئة سيارات لأن النادي واللاعبين يستفيدون منها.
عقود وغطاء
إن عزوف الجماهير سبب مهم في غياب الرعاية عن الكثير من الفرق، لأن المردود الذي ستجنيه تلك الفرق ضعيف للغاية، ناهيك عن غياب المتخصصين في الاستثمار، فمعظم العاملين بالأندية ليست لديهم خبرة في مجال التسويق والاستثمار، وليست لديهم الخطط اللازمة لجذب الرعاة.
و هناك مشكلة أخرى تواجه الأندية في جلب الرعاة تتمثل في ضعف الدوري نفسه، فقد تشاهد مباراة أو مباراتين في الدوري كاملاً فحسب، أما بقية المباريات فتخلو من المتعة والإثارة، و قبل تطبيق الاحتراف كانت الجماهير تحضر للمباريات قبل المباراة بساعة أو ساعتين، أما الآن فهناك غياب واضح عن المدرجات بالرغم من تطبيق الاحتراف ووجود الحوافز لحضور الجمهور.
و المنظومة التي تدير الاستثمار والتسويق بالأندية غير محترفة، فهم مجرد موظفين ولا وجود لخطة، ومعظم العقود تأتي بناء على المجاملات الشخصية، لافتاً إلى أن المبالغ التي تقدمها الشركات الراعية لا تغطي تكلفة الأندية من معسكرات وتدريبات وخلافه.
و نتمنى أن نتطور في الأمور الإدارية، وتطبيق الاحتراف السليم، وأصبحت الآن فرصة اللاعب ضعيفة، وعليه أن يثبت نفسه، وأن تُعاد صياغة المنظومة الكروية بشكل كامل.
الاستقطاب الجماهيري أولى الخطوات
إن الإقبال على رعاية الشركات للأندية ضعيف وفي تراجع، وهذه نتيجة طبيعية لضعف الجانب الاستثماري بالأندية، وإن الشركات الراعية تحتاج إلى أرض خصبة لاستثماراتها وتعطي مقابلاً لهذه الشركات الراعية التي لا تجد المردود المحفز كي تبرم عقود رعاية لنادٍ ما أو لفريق معين، لأن العلاقة بين الطرفين علاقة شراكة وقائمة على تبادل المنفعة.