متابعة – مهند الحسني: تمر سلتنا في مرحلة جديدة يتفاءل بها الكثيرون برؤيتها في حلة جديدة، وبروح مختلفة، وبنتائج مشرقة بعد سلسلة من النكبات، ولا يمكن أن نتخيل يوماً أن يصبح المريض طبيباً ليسأل عن طريقة علاجه وشفائه، و لا أن يكون الداء هو المفوض باختراع الدواء الخلاص و البرء منه، ثمة أسئلة تخطر في البال عن أسباب تراجع مستوى منتخبات السلة منذ سنوات طويلة،
ولقد مللنا من ذكرها بأن سببها غياب جيل من اللاعبين النجوم، وعدم قدرة الاتحادات والأندية على خلق البديل، إضافة لضعف الإمكانات المادية، وعدم قدرة منتخباتنا التحضير المثالي المناسب، هذا الكلام بات من البديهيات، وكل يوم يتحفنا البعض به حتى وصلنا لمرحلة كبيرة من الملل، لكن هناك أسباب لم يأت أحد على ذكرها كثيراً، وربما كانت هي الحلقة الأهم في عملية التطوير لسلتنا.
على أرض الواقع
يعرف القاصي قبل الداني، أن سلتنا الوطنية لا تعيش حالة مثالية، لأن لا شيء مثالياً في رياضتنا، وباتت سلتنا تعيش على الطفرات هنا، وأخرى هناك، ودعونا نكون صريحين لدرجة كبيرة، ونعترف بأن سلتنا الوطنية ليست في أحلى أيامها رغم بعض الإشراقات الأخيرة، لكنها لا يمكن أن تجعلنا نتفاءل كثيراً لأننا على دراية بأن اللعبة تمر في أسوأ مراحلها، و رغم أنها حظيت ببعض المخلصين ممن بذلوا جهدهم بما توفر إليهم من وسائل، فبدت عملية الحفاظ على ما تبقى من أشلاء سلتنا أشبه باستخراج الماء بعصر الصخر.
صناعة خاطئة
تبدو مشكلة ترهل أداء غالبية لاعبينا وضعف مستواهم تأتي انعكاساً لما يحدث في أنديتنا التي يفتقد معظمها لعوامل الاستقرار الفني، والتي تعمل غالبيتها بشكل عشوائي بحت لا يمكن أن يفيد، فيتم تكليف مدربين شباب مازالوا يرتدون قميص النادي، ولم يلامسوا طريق النجومية كمدربين على فرق القواعد، وهم بالأصل يفتقدون أبجديات كرة السلة الحديثة، فيتم بناء براعم السلة بطريقة عرجاء وعوجاء ما يفرز جيلاً سلوياً غير ناضج، وأكبر مثال ما شاهدناه المواسم الفائتة الأخيرة لأداء بعض اللاعبين الذين ارتكبوا أخطاء تعد من بديهيات كرة السلة لا يرتكبها لاعب في فريق أشبال.
مستويات هابطة!
لم يستفد القائمون على أمور سلتنا من تجاربهم الماضية، وفي كل موسم يقعون في الخطأ نفسه، حيث كشفت مباريات في دوري الرجال الموسم الفائت المستوى الحقيقي لبعض اللاعبين، والذين لم يؤهلهم مستواهم الفني حتى للجلوس على دكة البدلاء، وكلنا أمل في قرار تحديد الأعمار الذي أقره في السنوات الأخيرة اتحاد السلة أن تكون ثماره يانعة، ويغني أنديتنا بلاعبين شباب من مستوى عال، ونستغني عن بعض عواجيز السلة السورية الذين باتوا يشكلون عبئاً ثقيلاً على أنديتنا دون أن يقدموا شيئاً جديداً.
دوري أم إعداد
اختلف الكثير من خبراء اللعبة حول أسباب تراجع مستوى ونتائج منتخبات السلة، فمنهم من أكد بأن الدوري القوي لابد أن يفرز منتخباً قوياً، فيما ذهب الآخرون في اتجاه أن طريقة تحضير المنتخب المثالية، وتأمين مباريات ودية قوية هي السبيل الوحيد لبناء منتخب قوي، وأعطوا دليلاً واضحاً على أن منتخب الأردن تمكن من التأهل للنهائيات العالمية وهو لا يملك دورياً قوياً.
لا شك بأن الدوري القوي يفرز منتخبناً قوياً، غير أننا ومنذ ثماني سنوات لم يكن لدينا دوري نعتمد عليه، حيث تمكن اتحاد السلة من البقاء على رونق اللعبة، والمحافظة عليها، واقتصر عمله على نظام دوري متواضع غابت عنه النكهة التنافسية التي كانت تشهدها صالاتنا في السنوات الماضية، عندما كان للاعب الأجنبي مكانة مرموقة ساهمت في رفع مستوى اللاعب المحلي الذي استفاد من فرصة الاحتكاك معه، لكن غياب اللاعب الأجنبي، وضعف مسابقاتنا كانت لهما نتائج سلبية على إعداد لاعبنا الوطني، الذي غابت عنه المباريات القوية، ولم يتمكن في الوقت ذاته في تأمين تحضيرات مثالية لمنتخباته، لكن بدأت تلوح بالأفق ملامح انفراجات كثيرة على صعيد الوصول لدوري قوي بعدما تم إقرار تواجد اللاعب الأجنبي الذي سيعطي للمباريات نكهة جميلة ومنافسة قوية، إضافة إلى أن الاتحاد بدأ يعمل على موضوع الرعاية وتأمين المناخات الملائمة لمنتخباته في تحضيراتها، ما يجعلنا نتفاءل بمرحلة مفعمة بالنتائج الجيدة.
خلاصة
أنديتنا غنية بالمواهب والخبرات القادرة على العطاء لكنها مازالت في زوايا مهملة ومبعدة لغايات ومصالح شخصية، والمطلوب كيفية تخديم هذه الخبرات، والتعاطي معها وفق منهجية علمية بعيداً عن الارتجال الذي لا يزال عنواناً بارزاً لأسلوب أنديتنا، مع توفر النوايا الصادقة، وقتها فقط نستطيع أن نؤسس لانطلاقة قوية نؤسس من خلالها لمرحلة أكثر إشراقاً.