الموقف الرياضي _ أنور الجرادات :
لا يختلف اثنان أن كرة القدم تجمع البشر حول مبادئ الأخلاق الرياضية، ولا تفرق بينهم حسب العرق أو الدين أو اللون، غير أن هذه المبادئ والمفاهيم الناصعة، أفسدتها النفوس الجشعة في إدارات الأندية المُتحكمة في رقاب اللاعبين، خاصة عند تعرضهم لإصابات تبعدهم عن مستواهم المعهود في المستطيل الأخضر.
تلك المبادئ الناصعة نجدها أمرًا طبيعيًا في أروقة الأندية المحترفة ، التي تحترم لاعبيها، غير أنها فُقدت في مراحل سابقة التي تُصنَّف بطولاتها تحت فئة الهواة ، فقد أثبتت الوثائق والوقائع أن أنديتهم تتعامل مع لاعبيها كأنهم ( مجرد سلعة )..
فاللاعب تتلقفه الأندية حال تألقه في الملاعب وتبرم له أحسن العقود، في حين ترميه عند تعرضه لإصابة حرجة وتتخلى عن مسؤولياتها في تأمين مصروفات علاجه، التي كفلتها كل الأعراف والأخلاق الرياضية، وتضرب بالعقد المُبرم بينهما ( عرض الحائط )
ولنا في الدوري قصص كثيرة و لاتعد ولاتحصى لا سيما أن الكثير من اللاعبين الذين عانوا مؤخرًا من الإصابة التي أنهت مسيرتهم الكروية، رغم أنهم لم يبلغوا من العمر ٢٦ عاماً ولا يزالون قادرًين على العطاء، إذ كانوا قبل الإصابة ركيزة أساسية في صفوف أنديتهم ، ويلعبون باستمرار في جميع المباريات، ناهيك بقيمتهم الكبيرة.
لكن بعد الإصابة يتغيَّر كل شيء، إذ تتخلى عنهم الأندية تخليًا مُهينًا، لدرجة أنهم لم يتواصل معهم أحد من إدارات الأندية عقب نهاية الموسم، فإضافة إلى أنهم لم يحصلوا على رواتبهم فقد حُرمو كذلك من حقهم في العلاج.
هذا الأمر أغضب اللاعبين كثيرآ، ما دفعهم لكتابة قصصهم عبر صفحاتهم في موقع التواصل الاجتماعي( فيس بوك ) ، ليحصلوا على عبارات دعم ومواقف مساندة لهم من كافة أبناء الوسط الرياضي ، في حين غابت أنديتهم عن ذاك الدعم، فبدلًا من أن تستجيب لمطالب اللاعبين بالعلاج، زادت من تعقيد الأمر وبعضها قام بخصم جزء من مستحقاتهم المالية المتراكمة، ليضطر اللاعبين إلى السكوت من أجل كسب جزء من المال لاستكمال علاجه.
قصص اللاعبين كثيرة التي تبيّن انتهاكات الأندية بحق لاعبيها، فلم تكتفِ بهضم حقهم في العلاج، إذ إن الكثير منها غير ملتزمة ماديًا، فتراها توقّع عقودًا بمبالغ كبيرة مع النجوم، ثم تماطل في تسديد ما هو مُتفق عليه، وهذا ما يحصل مع السواد الأعظم من اللاعبين الذين تذهب حقوقهم المالية تحت ( المقصلة )..
وهناك قصص تشير إلى أن بعض الأندية تتخذ من الأزمة المالية (:شماعةً ) لنهب مستحقات اللاعبين، كما أنها تسلك طرقًا ملتوية من أجل التنصُّل من مسؤولياتها الإنسانية والقانونية، ما يعطي انطباعًا أنها تتلاعب في تطبيق الاتفاقات عن سبق إصرار وترصُّد، مستغلة أن الدوري لم يرتقِ إلى مستوى الاحتراف الذي يُطبّق ..
وإزاء هذه المشاكل المتكررة، التي تدفع الأندية للتخلُّص من لاعبيها المصابين في كثير من الأحيان عبر مخالصة مالية، على طريقة ( إزالة العفش القديم منتهي الصلاحية ) ، أرى أن على اللاعبين أن يضعوا نصب أعينهم عدداً من الاحتياطات عند توقيعهم مع أي نادي، حتى لا يقعوا فريسة لجشع الأندية، من أهمها :
1- أن يتضمن العقد المُبرم بين الطرفين، بندًا يُعطي اللاعب الحق بالحصول على مصاريف العلاج كاملة خلال فترة ابتعاده عن الملاعب حال إصابته مع النادي، مع ضمان ذلك بشرط جزائي يُفرَض على النادي إذا قصّرت إدارته في تقديم العلاج كاملًا، مع الأخذ في الاعتبار أنه حق بديهي ولا يجب أن يتنازل اللاعب عنه تحت أيّ ظرفٍ.
2- أن يحرص اللاعب على توقيع العقد مع ناديه الجديد في حضور المحامي أو عند أي جهة معترف بها، وتسجيله لدى الإتحاد ليتم توثيقه رسمياً، الأمر الذي يضمن لكل طرف حقوقه على مدار المدة المنصوص عليها في العقد.
3- ألا يتردد اللاعب برفع شكوى رسمية لإتحاد الكرة الذي يعتبر الجسم الشرعي لرفع الظلم عن الرياضيين ضد إدارة أنديتهم إذا شعر بأي تقصير منها خلال فترة العقد المبرَم.
4- أن يكون العقد واضحًا بالتفصيل فيما يخص الثواب الذي سيحصل عليه، فمثلاً يحدد المكافآت التي سينالها اللاعب إذا حصل على لقب الهداف، أو أي جائزة فردية أخرى، أو إذا توِّج الفريق بالألقاب، الأمر الذي يجعل اللاعبين في حالة تحفُّز على الدوام لتقديم أفضل ما لديهم، وهذا سيصب في مصلحة الطرفين على حد سواء، وأن يكون واضحًا كذلك في حالة العقاب، مثل الخصومات التي سيتعرض لها اللاعب إذا غاب عن التدريبات، أو تسبب في خسارة المباريات، أو حصل على البطاقات، نظرًا لأن الأندية ( تتفنن بمزاجية ) في صياغة العقوبات على اللاعبين بحلول نهاية الموسم، كما أسلفنا سابقاً.
وفي الجهة المقابلة يجب على إتحاد الكرة أن يتخذ بعض الإجراءات التي من شأنها حفظ حقوق الأطراف جميعها، ومنع أيّ إشكاليات قد تقع بين اللاعبين وأنديتهم، أهمها:
1- السماح للاعبين بتشكيل رابطةٍ خاصة بهم تكون منبراً وصوتاً لهم، للتعبير من خلالها عن آرائهم ومُقترحاتهم …
وأيضآ للتصدي لكلّ محاولات الأندية في ( سرقتهم ) ، والدفاع عن أنفسهم في قضايا أخرى.
2- يتعيّن على اتحاد كرة القدم متابعة كافة الملفات التي لا تزال تمارس فيها الأندية أساليبها غير المشروعة، عبر تشكيل لجانٍ مُتخصصة في هذا الشأن، تهتم باللاعبين وقضاياهم.
3- ينبغي عليه أيضآ سنّ قوانين رادعة، مثل: فرض عقوبات مالية على الأندية أو حرمانها من ضم لاعبين جدد مدة من الزمن، وذلك للكف عن هذه الأفعال غير المسؤولة، وللانتصار لحقوق اللاعبين، لا سيما الذين يتخذون من كرة القدم مصدر رزق أساسي لهم .
أما إدارات الأندية، فمطلوبٌ منها أن تكون على مستوى عالٍ من المصداقية مع لاعبيهم، وأن تُراعي الوضع المادي الصعب، ، وأن تعمل جاهدةً على تقوية أرصدتها المالية .