هو أول سؤالٍ يتبادر اليوم إلى أذهان معظم مشجعي كرة القدم في كافة أنحاء العالم, لدى محاولتهم استطلاع ميولك الرياضية, تمهيداً لبدء حديثٍ مطوّلٍ عن كرة القدم. وبطبيعة الحال,
فإن الإجابة ستختلف من شخصٍ إلى آخر, إلا أن طريقة طرح السؤال بحد ذاتها قد تثير العديد من النقاط المهمة والتساؤلات التي تستحق الوقوف عندها. فلماذا يكون السؤال عن هذين الفريقين تحديداً ؟ وماذا عن الفرق الأخرى في أوروبا ؟ وهل باتت اللعبة تفتقر إلى المنافسة والتشويق إلى الحد الذي أصبح فيه متابعوها قادرين على تلخيصها بفريقين لا ثالث لهما ؟
في البداية, دعونا نتفق على أن ما وصل إليه الفريقان اليوم من سطوةٍ على المستوى الجماهيري لم يأتِ من فراغٍ, فقد لعبت النتائج التي حققها الفريقان مؤخراً – دون شك – دوراً أساسياً في زيادة شعبيتها على الصعيد العالمي, لاسيما أن هذه النتائج قد ترافقت مع أداءٍ استعراضيٍّ مميزٍ, فمن يتابع أرقام الفريقين في بطولة دوري أبطال أوروبا مثلاً, يلاحظ أن برشلونة قد وصل إلى الدور نصف النهائي سبع مراتٍ في آخر تسع نسخٍ من البطولة, حقق من خلالها اللقب في أربع مناسباتٍ, في حين لم يفشل الفريق الملكي في بلوغ الدور ذاته منذ عام 2011, علماً أنه لا يزال يحتفظ بالرقم القياسي لعدد مرات الفوز بالبطولة, فضلاً عن سيطرة الفريقين شبه المطلقة على ألقاب الدوري الإسباني الذي يعتبره كثيرون أقوى دوريات العالم في الوقت الراهن, وكذلك وجود أفضل نجوم العالم حالياً في صفوف الفريقين, وعلى رأسهم ميسي ورونالدو اللذان أطاحا بكافة الأرقام القياسية الممكنة محلياً وأوروبياً, واستأثرا بجوائز الفيفا في السنوات القليلة الماضية.
ونتيجةً لما سبق, فإن جيلاً كاملاً من جمهور كرة القدم قد بدأ متابعته للعبة في ذروة الفترة الذهبية للفريقين, لذا كان من الطبيعي أن يتجه معظم أبناء هذا الجيل للانضمام إلى مشجعي أحد الفريقين الإسبانيين, كما كان حال جيل الثمانينيات والتسعينيات مع نادي ميلان الإيطالي مثلاً, ولحقت بعض وسائل الإعلام بركب المشجعين الجدد, فأصبحت أخبار الفريقين ونجومهما تتصدر عناوين معظم النشرات الرياضية والصحف والمواقع الإلكترونية المتخصصة, وذلك على حساب كافة الأخبار الرياضية الأخرى على اختلاف أهميتها, بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك, فبات يطلق اسم (كلاسيكو) على أي مباراة قمةٍ تجمع فريقين محليين في هذا البلد أو ذاك, وهو أمرٌ قد يحمل بحد ذاته الكثير من المبالغة, كما أنه ينطوي على ظلمٍ واضحٍ للفريقين العريقين, وكذلك لجمهور كرة القدم الذي قد لا يفضِّل هذا النوع من المقارنات لاسبابٍ مختلفةٍ.
ولكنّ ما يغفله كثيرون – بالمقابل – هو أن كل ما حققه الفريقان اليوم من هيمنةٍ على كافة الألقاب الجماعية والفردية, ومن مستوىً فنيٍّ رائعٍ قد جاء في وقتٍ تعاني فيه معظم الأندية العريقة في أوروبا من أزماتٍ وفتراتِ ركودٍ أثرت سلباً على مستواها الفني وأبعدتها عن المنافسة.
ففي إنكلترا مثلاً, لم يتمكن مانشستر يونايتد حتى الآن من الخروج من الفترة الانتقالية التي بدأت منذ اعتزال السير أليكس فيرغسون, بينما لا تزال الفرق الأخرى تفتقر – على ما يبدو – إلى ثقافة الفوز بالألقاب الأوروبية, والأمر ذاته ينطبق – بالمناسبة – على نادي العاصمة الفرنسية (باريس سان جيرمان), رغم أن مستويات الإنفاق في هذه الأندية, قد بلغت حدوداً غير مسبوقةٍ.
وفي إيطاليا, لا يزال نادي ميلان يبحث عن طريق العودة إلى أمجاده الأوروبية الغابرة, في ظل السياسة المتخبطة لمالكه (برلسكوني) فيما يتعلق بإدارة الفريق, بينما تلقي الأزمة المالية بظلالها على وضع بقية أندية الكالتشيو, فوحده يوفنتوس من استطاع أن يستعيد توازنه المالي مع تحسن نتائجه في الآونة الأخيرة, وإن كان لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت ليعود قوةً ضاربةً في أوروبا.
كل هذه الظروف والمعطيات ساعدت عملاقي إسبانيا بشكلٍ أو بآخر في تقديم مواسم استثنائيةٍ في العقد الأخير, مستفيدَين من قدرتهما على شراء أفضل نجوم العالم من أنديتهم المتدهورة مالياً أو البعيدة عن المنافسة أصلاً, بينما يحصل الفريقان على إيراداتٍ ضخمةٍ من عائدات الملاعب والنقل التلفزيوني والإعلانات التجارية وغيرها.
على أي حالٍ, فإننا لم نقصد من خلال ما سبق الانتقاص من عراقة ناديين بحجم ريال مدريد وبرشلونة, أو التشكيك بجدارتهما في تقاسم زعامة القارة الأوروبية من كافة النواحي (ففي النهاية لكل مجتهدٍ نصيب كما يُقال), وإنما أردنا فقط لفتَ الانتباه إلى الظروف التي تحققت من خلالها هذه الزعامة, لكي نضع الأمور في نصابها, مع التذكير بأن الأندية الأوروبية الأخرى تملك بدورها جماهير تستحق الاحترام أيضاً, لمجرد أنها ما زالت مستمرةً في تشجيع فرقها أيّاً كانت النتائج, وأنها تؤمن بقدرة هذه الفرق العريقة على تجاوز واقعها الحالي, والعودة يوماً ما إلى المنافسة على الألقاب الأوروبية, ولا شك في أن تلك العودة المرتقبة ستقدم خدمةً كبيرةً لعالم كرة القدم عموماً.
محمد نور داود