لماذا هم نجوم أنديةٍ فقط.. ؟

مع انطلاق كل بطولةٍ قاريةٍ أو دوليةٍ للمنتخبات, ينتظر عشاق كرة القدم من نجوم اللعبة قيادة منتخبات بلادهم نحو تحقيق أفضل النتائج,

fiogf49gjkf0d


ولاسيما عندما يتعلق الأمر بأولئك الذين يقدمون مستوياتٍ مميزةً مع أنديتهم على مدار الموسم, إلا أن الأمور لا تجري في معظم الأحيان كما تشتهي جماهير المنتخبات العالمية, بل إن عدداً كبيراً من هؤلاء النجوم يغادرون الملاعب دون أن يتمكنوا من تحقيق إنجازٍ يذكر مع المنتخب الوطني, مكتفين بتحطيم بعض الأرقام الفردية. فلماذا يختلف مستوى اللاعب بين النادي والمنتخب ؟ وهل أصبحت الأندية تستحوذ على اهتمام النجوم وتستأثر بجهودهم إلى حدٍّ لم يعد معه أكثرهم قادرين على القيام بأيِّ دورٍ حاسمٍ مع منتخبات بلادهم ؟‏


من دون شكٍّ, فإن مجموعةً من العوامل قد أسهمت في مرور معظم نجوم اللعبة بهذه الحالة من عدم الثبات في المستوى الفني, ومن أبرزها‎ ‎:‏


– العامل البدني والذهني: فقد بات العدد الكبير من المباريات التي يخوضها لاعب كرة القدم عموماً مع ناديه يستنزف قدراً كبيراً من لياقته البدنية والذهنية, ويسبب له ضغطاً نفسياً وإصاباتٍ متفاوتة الخطورة, ما يؤثر سلباً على أدائه الفني مع منتخب بلاده, خاصةً أن معظم البطولات القارية والدولية الكبرى تقام عادةً في فصل الصيف, أي الفترة التي يجدر فيها باللاعب أن ينال بعض الراحة والاستشفاء, بعد أن يكون قد بلغ ذروة الإرهاق البدني والذهني. وهذا ما نجده يحدث دائماً مع لاعبي المنتخب الإنكليزي, ومع نجوم المنتخبات الأخرى المحترفين في البريمرليغ, حيث يعد الموسم الكروي في إنكلترا من أطول المواسم وأكثرها صعوبةً من حيث عدد المباريات ونوعيتها وكيفية تنظيم مواعيدها.‏


– قلة الانسجام مع المجموعة :‎ ‎وهو ما يحدث خصوصاً بسبب عدم كفاية فترة التحضير التي تحصل عليها المنتخبات, والتي تشهد وجود لاعبين جدد على الدوام, وما يزيد الأمر صعوبةً على هؤلاء النجوم أنهم – وعلى عكس الوضع في النادي – قد لا يجدون في المنتخب لاعبين قادرين على مساعدتهم في تحقيق الإنجازات, أو مدربين قادرين على توظيف إمكانياتهم والاستفادة منها بالشكل الأمثل.‏



– العامل النفسي :‎ ‎فعلى الرغم من تمتع هؤلاء النجوم بالخبرة الطويلة والتجربة الكافية, فإنهم يبقون عرضةً للتأثر بالضغوط التي تمارسها الجماهير ووسائل الإعلام في بلادهم, والتي تطالبهم دوماً بتقديم أفضل ما لديهم لخدمة قميص المنتخب, ولا تغفر لهم أي فشلٍ أو تقصيرٍ, كما أن رغبة اللاعب الذاتية في التألق مع المنتخب الوطني قد تشكل عبئاً إضافياً على كاهله, لاسيما مع قلة الفرص المتاحة أمامه خلال مسيرته المهنية لإثبات جدارته في هذا الميدان.‏


– العامل المادي :‎ ‎فمن المعلوم أن ما يحصل عليه اللاعب عادةً لقاء تمثيل منتخب بلاده, لا يمكن مقارنته بالمبالغ الضخمة التي يدفعها له ناديه, وقد يبدو العامل المادي من أقل العوامل تأثيراً في تدني مستوى اللاعب دولياً أمام المكاسب المادية الضخمة التي يجنيها اللاعب خلال حياته الاحترافية,‎ ‎وكذلك وجود الكثير من الحوافز الأخرى التي تدفعه لبذل أقصى ما لديه من أجل رفع اسم بلاده في المحافل الدولية. ومع ذلك, فإن العنصر المادي يلعب في بعض الحالات دوراً حاسماً في ترتيب أولويات النجوم, وخاصةً أولئك الذين حققوا كافة الألقاب الممكنة على مستوى الأندية والمنتخبات, وأصبحوا في نهاية مشوارهم الكروي.‏


وهكذا, فقد أدت هذه العوامل مجتمعةً إلى تحويل معظم نجوم اللعبة حالياً إلى مجرد لاعبين محترفين لصالح الأندية التي ينتمون إليها, إذ لم يتمكن سوى عددٍ قليلٍ منهم من قيادة منتخبات بلادهم نحو منصات التتويج, وكان آخرهم كريستيانو رونالدو الذي فاز مع بلاده البرتغال ببطولة أمم أوروبا قبل أيامٍ, رغم أنه لم يقدم الأداء المنتظر منه على مدار البطولة المذكورة.‏


ولكن الأغرب من ذلك كله هو أن إدارات الأندية الكبرى لا تزال تطالب اتحادات كرة القدم الوطنية بمزيدٍ من التنازلات في هذا الشأن, فهي تبدي تحفظاً دائماً على مشاركة لاعبيها مع منتخبات بلادهم في بعض البطولات, متذرعةً بقلة أهميتها, وبأنها تؤثر على تحضيرات الأندية للاستحقاقات القادمة, بل إن هذه الأندية قد نجحت في كسب المعركة في معظم الحالات, كما حدث مؤخراً بالنسبة لموضوع مشاركة بعض اللاعبين في بطولتي كوبا أميركا والألعاب الأولمبية الصيفية, ما يؤكد بأن الأندية الكبرى قد أصبحت تمسك بزمام الأمور, وينبئ في الوقت نفسه بتراجعٍ أكبر في المستوى الفني للمنتخبات الوطنية, الأمر الذي يتطلب تدخلاً عاجلاً من جانب الفيفا لإنقاذ شعبية البطولات المقامة على مستوى المنتخبات, وذلك بممارسة مزيدٍ من الضغط على الأندية لمراعاة الحالة البدنية للاعبيها, ومن ثم إفساح المجال أمامهم لتمثيل منتخبات بلادهم بأفضل طريقةٍ ممكنةٍ, انطلاقاً من أن المنتخب الوطني هو الأساس, وأن نجم كرة القدم هو لاعبٌ يحمل جنسية بلاده أولاً وأخيراً.‏


محمد نور داود‏

المزيد..