هي آخر الطرق التي يتم اللجوء إليها عادةً لحسم نتيجة مباراة كرة القدم التي انتهى وقتاها الأصلي والإضافي بالتعادل, وذلك عندما يتعلق الأمر بدور خروج المغلوب في إحدى بطولات كرة القدم المحلية أو القارية أو الدولية
حيث يتم منح كل فريقٍ خمس ركلات جزاءٍ (أو أكثر في حال
استمرار التعادل) يتم تسديدها بالتناوب بين لاعبي الفريقين, لتكون الغلبة في النهاية لمن أحرز أكبر عددٍ من الأهداف, إلا أن بساطة القواعد التي تحكم هذه الآلية لم تحل دون إثارة العديد من التساؤلات حول مدى اعتماد ركلات الترجيح على عامل الحظ, والبحث في إمكانية استبدالها بطريقةٍ أخرى تحقق قدراً أكبر من العدالة الكروية.
فمنذ اعتماد هذه الطريقة رسمياً في سبعينيات القرن العشرين, لم يتوقف عشاق ومتابعو كرة القدم عن مناقشة موضوع ركلات الترجيح من كافة النواحي, إلا أن الجدل كان يكثر حولها بشكلٍ واضحٍ في كل مرةٍ يتم اللجوء إليها لحسم نتيجة مباراةٍ مهمةٍ في إحدى البطولات الكبرى, لما يرافق ذلك عادةً من أحداثٍ مثيرةٍ قد تستمر آثارها إلى ما بعد نهاية المباراة بفترةٍ طويلةٍ.
فمن الملاحظ أن معظم متابعي كرة القدم يميلون إلى اعتبار ركلات الترجيح (لعبة حظٍّ) بالدرجة الأولى, مؤكدين أن هذه الطريقة في حسم المباريات قد ظلمت عدداً كبيراً من الأندية والمنتخبات عبر التاريخ, وحرمتها من إكمال مشوارها أو إحراز الألقاب الكبرى, ويكفي أن نشير هنا إلى ما حدث مراراً مع المنتخب الإيطالي الذي أقصي من ثلاث بطولات كأس عالمٍ متتاليةٍ بفعل ركلات الترجيح أعوام 1990و1994و1998, علماً أنه كان من أبرز المرشحين لانتزاع اللقب في البطولات الثلاث.
وفضلاً عن ذلك, فإن ركلات الترجيح قد أدارت ظهرها تاريخياً لعددٍ من نجوم كرة القدم البارزين, وشكلت نقطة تحولٍ سلبيةً في مسيرتهم, بدءاً بروبيرتو باجيو الذي أكسبته ركلة الجزاء الضائعة في نهائي مونديال 1994 شهرةً تفوق – ربما- شهرته كأحد أبرز نجوم كرة القدم عبر التاريخ, وانتهاءً بليونيل ميسي الذي أعلن اعتزاله اللعب دولياً مع منتخب بلاده قبل أيامٍ, بعد ما حصل معه في نهائي كوبا أميركا, حيث تم اعتباره سبباً رئيساً في ضياع اللقب القاري.
ومع ذلك, فإن بعض المتابعين ينظرون إلى ركلات الترجيح بطريقةٍ أخرى تجعلهم يفضلون الإبقاء عليها, مبررين ذلك بعدة أمور منها:
– إن ركلات الترجيح لا تعتمد على التوفيق وحده, بل يلعب تركيز المنفذ ومهارة حارس المرمى دوراً كبيراً في حسمها, وما يؤكد ذلك أن بعض الفرق اشتهرت دائماً بتفوقها في ركلات الترجيح وأصبحت تراهن عليها أحياناً, معتمدةً في ذلك على الشخصية القوية لدى لاعبيها, كالمنتخب الألماني مثلاً.
– لقد أصبح لركلات الترجيح جمهورها الخاص بها أيضاً, حيث ينتظرها عددٌ لا بأس به من عشاق كرة القدم, بحثاً عن المتعة والإثارة في هذه السلسلة من الركلات التي تبقى حتى اللحظة الأخيرة مفتوحةً على كافة الاحتمالات.
– إن ركلات الترجيح, وعلى الرغم من التشكيك المستمر بعدالتها, تبقى – على ما يبدو- أفضل الخيارات المتوفرة حالياً لكسر التعادل, فقد تم في السابق الاعتماد على إجراء القرعة, ثم بدأ اللجوء إلى إعادة المباريات المنتهية بالتعادل, علماً أن الطريقة الأخيرة ما تزال مستخدمةً اليوم في بعض البطولات المحلية في إنكلترا, حيث تعاد المباراة التي ينتهي وقتها الأصلي بالتعادل, وفي حال استمرار التعادل في المباراة المعادة يصار إلى لعب وقتٍ إضافيٍّ ومن ثم ركلات ترجيحٍ, مما يعيدنا إلى نقطة البداية, ويسبب مشكلاتٍ إضافيةً للاعبين فيما يتعلق بالإصابات والإرهاق البدني.
وبالفعل, فإن مسؤولي الفيفا لم يتوصلوا حتى الآن إلى اعتماد طريقةٍ أخرى تغني عن استخدام ركلات الترجيح, مكتفين بتبادل بعض المقترحات المتعلقة بالسماح للفرق بإجراء تبديلٍ رابعٍ أثناء الوقت الإضافي, ما قد يتيح للمدرب إدخال لاعبٍ قادرٍ – من الناحية البدنية – على حسم المباراة قبل الوصول إلى ركلات الترجيح أو من خلالها, أو إدخال حارس مرمى يتمتع بإمكانياتٍ كبيرةٍ في التصدي لركلات الجزاء, وتبدو هذه المقترحات جديرةً بالاهتمام مبدئياً, إذ أنه من شأن اتباع هذه الآلية أن يزيد من فرص استخدام التكتيك في التحضير لركلات الترجيح, ما قد يجعلها أكثر منطقيةً وعدالةً إلى حدٍ ما.
محمد نور داود