بعد صدمة ميلانو…الكرة الإيطالية إلى أين ؟

محمد نور داود:ربَّما هي من المرات النادرة التي لا يشغل فيها حضور بعض المنتخبات الجديدة في كأس العالم اهتمام عشاق كرة القدم،


بقدر ما يلفت انتباههم غياب منتخبٍ بعينه عن العرس العالمي، ذلك أن الأمر يتعلق هذه المرة بغياب منتخبٍ كان قد أحرز لقب المونديال في أربع مناسباتٍ سابقةٍ، وظل على الدوام مرشّحاً بارزاً للفوز بكافة البطولات القارية أو الدولية التي يخوض غمارها، فكان من الطبيعي أن يترك عدم ذكر اسم إيطاليا في قاعة الكرملين – بما يمثِّله هذا الاسم من تقاليد كرويةٍ عريقةٍ – فراغاً كبيراً لدى كل من تابع قرعة مونديال روسيا2018 قبل عدة أيامٍ، كما بات من البديهي أن يُلقي هذا الأمر بظلاله على أجواء المونديال نفسه في الصيف المقبل.‏



وعلى الرغم من حقيقة كون المدرب المُقال (فينتورا) يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عمَّا جرى للأزوري، سواءً من حيث سوء خياراته الفنية والتكتيكية أم عدم إعطائ الفرصة لبعض المواهب الشابة، فضلاً عن علاقته المتوترة مع معظم اللاعبين، إلا أن من يتابع كواليس الكرة الإيطالية وما تعانيه من أزماتٍ وتحدياتٍ منذ عقدٍ تقريباً يدرك أن إخفاقاً كهذا كان من المنتَظَر حدوثه عاجلاً أم آجلاً، ويدرك كذلك أن صدمة عدم التأهل للمونديال كانت قد سبقتها عدة هزّاتٍ عنيفةٍ ضربت الأندية والمنتخبات الإيطالية في الآونة الأخيرة، وإن كانت أقل وطأةً من زلزال سان سيرو، وهو ما تجلَّى مثلاً في عدم تَمَكُّن الأزوري من تجاوز الدور الأول لمونديالَي 2010 و 2014 وفي تراجع نتائج الأندية الإيطالية بصفةٍ عامةٍ على صعيد المسابقات الأوروبية.‏


فمن المعروف أن الأزمة المالية التي شهدتها إيطاليا وبعض الدول الأوروبية الأخرى أواخر العقد الماضي قد انعكست بشكلٍ واضحٍ على واقع الكرة الإيطالية، فبدأت معظم أندية الكالتشيو تواجه صعوباتٍ ماليةً كبيرةً اضطرت بعض المُلَّاك لبيع أنديتهم إلى مستثمرين أجانب لم ينجحوا حتى الآن في إعادة كامل الهيبة المفقودة لتلك الأندية، وقد ترافق ذلك كله مع سياساتٍ إداريةٍ متخبِّطةٍ أخذت تتجه نحو الاستعانة باللاعبين الأجانب بشكلٍ غير مدروسٍ، وأهملت قِطاع الناشئين دون أيِّ مبرِّرٍ، ما دفع عدداً كبيراً من المواهب المحلية إلى اختيار اللعب في أنديةٍ متواضعةٍ تتيح لهم فرصةً أكبر للمشاركة وإن كانت لا تساعدهم على تطوير إمكانياتهم بالشكل المطلوب، وهو ما يؤثِّر بالنتيجة على وضع المنتخب، ويقلِّل من الخيارات المتاحة أمام جهازه الفني.‏


وعلاوةً على ذلك، فإن الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالكرة الإيطالية – وعلى رأسها فضيحة (الكالتشيوبولي) عام 2006 – قد أجَّجت الخلافات بين الأندية الإيطالية وزادت من تَعَصُّب الجماهير، وهو ما بدأ يخلق – كما يرى البعض – نوعاً من الحساسية داخل أروقة المنتخب الإيطالي، ما جعل ولاء بعض لاعبي الأزوري يميل بشكلٍ أو بآخر نحو أنديتهم المحلية على وجه التحديد.‏


يُضاف إلى ذلك مجموعةٌ من المشكلات التي بات الدوري الإيطالي يعاني منها حالياً سواءً على المستوى التنظيمي أم على مستوى البنى التحتية، إذ إن معظم أندية الكالتشيو لا تملك ملاعبها الخاصة حتى الآن، كما أن بعض الملاعب الإيطالية لم تَعُد تصلح لإقامة مبارياتٍ مهمةٍ محلياً أو قارياً، وهو ما يفسِّر عدم نجاح إيطاليا في استضافة أي بطولةٍ كبرى لكرة القدم منذ عام 1990.‏


بناءً عليه، فمن الواضح أن الكرة الإيطالية تمرُّ بفترةٍ قد تكون الأسوأ لها عبر تاريخها، وإن الخروج من هذا النفق المظلم لا يمكن أن يتحقق من دون التغلب على كافة المشاكل والعقبات المذكورة أعلاه، وهو ما يقتضي – دون شك – تعاوناً وثيقاً بين الاتحاد الإيطالي المُرتَقَب من جهةٍ وبين أندية الكالتشيو من جهةٍ أخرى، إذ بات يتوجب على جميع الأطراف المعنية الاستفادة من درس عدم التأهل للمونديال والبدء بمرحلةٍ جديدةٍ يكون عنوانها الأبرز تفضيل مصلحة المنتخب الإيطالي على المصالح الذاتية للأفراد أو الأندية وصولاً إلى الارتقاء بواقع الكرة الإيطالية لتعود إيطاليا «جنة كرة القدم» كما وصفها الأسطورة مارادونا في يومٍ من الأيام.‏

المزيد..