متابعة – أنور الجرادات: لسنوات طوال، ظلت شعارات العمل على القواعد والاهتمام بالفئات العمرية، وتطوير الأجيال مجرد شعارات ترفعها مجالس إدارات الأندية والمنتخبات، مع كل بداية فترة عمل مجلس جديد، وكأنها لافتة ترفع في المناسبات لتجميل الصورة، من دون وجود اقتناع حقيقي من مسؤولي اللعبة، بأهمية المراحل السنية في كرة القدم، ودورها الأساسي في بناء أجيال المستقبل.
والمتابع لوضع اللعبة لا يجد صعوبة في إدراك الهرم المقلوب الذي يميز العمل في أغلب اتحاداتنا وأنديتنا، حيث يظهر الفارق كبيراً في الاهتمام بالفريق الأول على حساب المراحل السنية، سواء من حيث الميزانيات أم توفير الاحتياجات، والتعاقد مع أشهر المدربين، الأمر الذي يجعل العمل في الفئات السنية يفتقد للتنظيم والاستقرار، ويعاني من غياب الخطط والبرامج طويلة المدى، ويدار بفكر الهواية، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأشخاص والمسؤولين الموجودين في الإدارات، وليس بالاستراتيجيات المدروسة التي تميز منهج العمل في الدول المتطورة كروياً.
أولويات
إن مشكلتنا الحقيقية للأسف هي في كيفية صنع لاعب كرة قدم، وإن الكل في منطقتنا يريد أن يصبح ابنه دكتوراً أو مهندساً، وفي الوقت نفسه لاعباً مشهوراً، بينما التوفيق بين المجالين أمر في غاية الصعوبة، لأن ممارسة الكرة، تتطلب تضحيات كبيرة من تدريبات صباحية ومسائية، ومعسكرات طويلة وسفر، لذلك على لاعب الكرة أن يتفرغ لهذه اللعبة، وأن يحترفها، حتى تصبح مهنته لاعب كرة قدم، و إذا أردنا تطوير الفئات العمرية علينا الاهتمام بدوري المدارس، وإقامة منافسات للمناطق التعليمية، بهدف اختيار المواهب الواعدة، لأن المواهب موجودة، وما علينا سوى اكتشافها وصقلها وتطويرها.
إن التخطيط في أنديتنا ومنتخباتنا يتركز على الفريق الأول فقط، في الوقت الذي تعتبر فيه تلك الفئات أساس إعداد وتجهيز اللاعبين للصعود إلى الفريق الأول، أما فيما يتعلق بالأجهزة الفنية العاملة، في قطاع المراحل السنية فإن معيار اختيار المدربين في قطاع الناشئين، هو الصداقة أو القرابة أو الولاء لمجالس إدارات الأندية، بينما تعتبر الكفاءة آخر المعايير التي يتم اعتمادها.
ونسأل كيف لمدرب وزنه مئة كيلوغرام أن يدرب أجيال المستقبل، وأن يقنعهم بالقيام بحركات رياضية معينة، وهو عاجز حتى عن القيام بها ! و أيضاً أغلب الأكاديميات الخاصة المنتشرة حالياً، هدفها الربح المادي، ولا تهتم بشكل حقيقي بالتطوير والبناء وهناك ضرورة تطبيق الاحتراف على أسس سليمة، وذلك بداية من المراحل السنية، لأنها الأساس في بناء لاعب محترف في حياته الخاصة والرياضية.
الأكاديميات فاشلة
إن وصول المنتخبات السنية إلى كؤوس العالم، لا يقوم على أساس خطط واستراتيجيات طويلة المدى، وإنما يتوقف على خطة مجلس إدارة الاتحاد، ومدى قناعته بأهمية العمل في المراحل السنية و إن كرتنا المحلية استفادت خلال الفترات الماضية من الاهتمام الذي شهدته والعمل القاعدي، في تجهيز وإعداد منتخبي الناشئين والشباب، وبالتالي تحقيق نجاحات معقولة ومقبولة وتسجيل الحضور المشرف في بعض المحافل الدولية.
النظرة الخاطئة
إن ضعف الدوري في مسابقات الفئات العمرية لا يساعد على إفراز لاعبين ومواهب بمستويات عالية، وإمكانيات كبيرة، تؤهلهم للمنافسة على المستوى الخارجي، سواء قارياً أم عالمياً، لذلك يضطر مدربو المنتخبات السنية إلى عمل مضاعف، في متابعة اللاعبين، واكتشاف العناصر التي تملك بوادر موهبة، والقيام بتجمعات ومباريات أخرى للوقوف على حقيقة الإمكانيات، واختيار العناصر المؤهلة للانضمام إلى المنتخب.
إن اكتشاف المواهب في المراحل السنية، لا يكون بناءً على أداء اللاعب مع ناديه في المسابقات التي ينظمها اتحاد الكرة، بل يتوقف على خبرة ونظرة مدرب المنتخب في اكتشاف العناصر الواعدة، التي يتم الاهتمام بها بعد ذلك بشكل خاص، حتى تتطور وتتدرج عبر بقية الفئات في ظروف إيجابية، وعن الفوارق الموجودة بين دول المنطقة، وبقية الدول المتطورة كروياً، سواء في آسيا أم العالم.
اجتهادات من دون تخطيط
إن العمل مع تلك الفئات مجرد اجتهادات يفتقد إلى التنظيم والتخطيط والاستمرارية وإن أغلب اتحادات الكرة السورية لا تملك استراتيجيات طويلة المدى تطبق على هذه الفئة العمرية المهمة، وذلك بسبب ارتباط البرامج بالمسؤولين الذين يقودون اللعبة.
و إن أغلبهم يركز على الفرق الأولى، سواء في الأندية أم المنتخبات، والدليل غياب المختصين في هذا المجال، سواء بالنسبة للفنيين أم الإداريين و إن العمل في الناشئين أو الشباب، يتطلب مواصفات خاصة، حتى نضمن الاهتمام الصحيح بالأجيال الصاعدة، ويتم إعدادها بشكل سليم، حتى تصل إلى الفريق الأول، في أفضل الظروف و إن قوة المسابقات السنية، معيار قوة المنتخبات، وكلما كانت مسابقاتنا غير منظمة وعشوائية، تصبح منتخباتنا السنية ضعيفة، وغير قادرة على منافسة القوى الكروية في القارة الآسيوية، ومثلاً فإن كوريا الجنوبية واليابان يطلقان نظاماً احترافياً في المراحل السنية، يعكس اهتمامهما الكبير بهذه الشريحة العمرية، التي تعد عماد المستقبل ونواة المنتخبات، وعلينا ضرورة النسج على منوالهما، والاهتمام أكثر بالعمل القاعدي، ووضع برامج لأربع سنوات فأكثر، حتى نضمن الاستمرارية في العمل، وتطور اللاعبين في ظروف إيجابية، وإعداد منتخبات قوية قادرة على المنافسة في التظاهرات القارية والعالمية.