في كرتنا المحلية.. الأكاديميات الكروية زراعة في أرض بور

متابعة – أنور الجرادات: لا يمكن الحديث عن احتراف وتطوير مستوى كرتنا المحلية دون تحديد وقياس مدى نجاح مشاريع النهوض بالمواهب الصغيرة والأكاديميات في الأندية،



ويثبت واقع الحال أن تلك الأكاديميات، مروراً بقطاعات الناشئين والمراحل السنية بأنديتنا باتت( أرض بور) عقيمة، وأن العمل في الأكاديميات وكأنه محاولة للزراعة في الصحراء دون وجود ماء، الآن لا تنتج الأكاديميات موهبة متكاملة، ولا تقدم لاعبين أصحاب خلق وسلوكيات قويمة، أو حتى موهبة متقنة تم تشكيلها على مدار سنوات من العمل الصحيح، كما يحدث في الدول التي سبقتنا بسنوات في الاحتراف رغم أنها كانت في الماضي تتذيل الترتيب القاري والعالمي. ولا خلاف على أن الناشئين والأشبال هما المعين المتجدد للفرق الأولى وللمواهب بمختلف المنتخبات الوطنية، غير أن تدهور أحوال كرتنا وعدم وجود دوريات للمراحل السنية، مع تردي وضع البنى التحتية لديها، بخلاف قلة الإمكانيات المادية واللوجستية، وعدم الاكتراث بتغذية الناشئين وتعويدهم على العادات الغذائية والسلوكية الصحيحة، باتت كلها عوامل ( قتل المواهب) في أكاديمياتنا الكروية، وزاد من فداحة الأزمة غياب الرؤية الواضحة لأنديتنا، وهو ما حال دون تواصل الأجيال، فغابت أنديتنا ومنتخباتنا عن منصات التتويج القارية والعالمية، إلا في مرات نادرة والسبب في هذا التدهور هو غياب الاهتمام بالتكوين العلمي السليم للاعبين الصغار، حيث كشفت دراسة تناولت هموم ومشكلات فئات الاشبال و الناشئين، أن أنديتنا لا تقدم من ميزانياتها سوى 6% في أفضل الأحوال، لدعم الناشئين، بينما يتم التهام 94% من الميزانية على يد لاعبي الفرق الأولى وأجهزتهم الفنية.‏‏


لاعبون مشوهون‏‏


كل ذلك أدى إلى ولادة لاعبين ( مشوهين ) سلوكياً ونفسياً، وغير ناضجين لمواجهة ضغوط اللعبة، كما أن بعضهم غير مهيئين ( ذهنياً) لدخول عالم الاحتراف وتحمل ضغوط الشهرة ووفرة المال، واللعب للفرق الأولى، وهو ما سبب في أغلب الأحوال انفلاتاً للسلوك وعدم الالتزام بشكل عام، بل وجدنا بعض ناشئينا وقد تعلموا سوء السلوك والقيم السلبية، قبل إتقانهم اللعبة نفسها، ما يكشف وجود خلل كبير في التعاطي مع مفهوم ( تكوين الناشئ) في كرة القدم، وهو ما كشفه التواصل مع مسؤولي المراحل السنية والأكاديميات.‏‏


وتسبب كل ذلك في تراجع مستوى الأداء الفني والبدني لمعظم لاعبينا الصغارواتفق الكثير من الخبراء والمسؤولين والإداريين والمدربين، على أن مواهبنا الصغيرة لا تزال موجودة، ولكنها ( اندثرت) لعدة عوامل، أبرزها غياب الكشافين الحقيقيين للمواهب، التي عادة ما تظهر وفق قانون الصدفة البحت وذهبت الآراء إلى التأكيد على أن الموهبة عندنا تحتاج لنظرة مختلفة، وطبيعة عمل من نوع آخر، حتى تقدم الصورة التي تليق، دون إغفال الحديث عن تدهور مستقبل اللعبة، حال استمر غياب الاهتمام الكافي، وهو ما ينذر بتدمير مستقبل اللعبة حال ظلت أنديتنا تلهو في تعاملاتها مع المواهب، وتتلاعب بما حبانا الله به من قدرات وإمكانيات بشرية قادرة على أن تنقل اللعبة من حال إلى حال.‏‏


رؤية وواقع‏‏


فمن الموضوعي والمنطقي بدء النقاش حول أزمات فئتي الاشبال و الناشئين، بشكل علمي ووفق الطرق العلمية ورؤية شافية لواقع الناشئين والأسباب في ملاعب أنديتنا ويجب تحديد ومعرفة المشكلات التي تعوق تطوير فئتي الاشبال و الناشئين وأكاديميات كرة القدم في ( ٤ ) جوانب هي (البرامج التدريبية، المدرب، اللاعب الناشئ، الإدارة)و أن الأضلاع الأربعة مرتبطة معاً في حلقة لو أحكم إغلاقها فستؤدي للنجاح المتوقع، و الوصول للمستويات العالمية في كرة القدم يتطلب توافر الاستعداد والموهبة لدى الناشئ من جهة، واستمرارية الصقل السليم لها وفق برامج تدريبية هادفة تتناسب وقدراته البدنية والعقلية، مع التقويم والمتابعة لما يتم تنفيذه، من الجهة الأخرى.‏‏


ومن هنا بات من الضرورة اهتمام الأندية بالبراعم الذين يمثلون القاعدة الأساسية لكرة القدم ويشكلون رافداً أساسياً لإعداد الفئات العمرية الأعلى لقطاع الناشئين والشباب والدرجة الأولى باللاعبين المتميزين وأصحاب المواهب. و أن أساليب التخطيط وبناء الاستراتيجيات للعمل في هذا القطاع لم تأخذ الأسلوب العلمي في كثير من الأندية.‏‏


وأيضاً وجود مشكلات تتعلق بالمدرب المتعامل مع ( الناشئين والأشبال) وأهمها عدم وجود رغبة لدى قطاع عريض منهم في العمل مع فئة الناشئين ومدارس وأكاديميات الكرة، وهذا يمكن إرجاعه إلى أن المدربين غالباً ما يطمحون لتدريب فرق الأولى، أو يعتبرون تدريبهم لمدارس الناشئين مرحلة مؤقتة، وعليه لا يهتمون كثيراً، كما يغيب الإلمام بخصائص المراحل السنية، فيما ينظر المدربون والإداريون إلى النتائج وليس تكوين اللاعبين، فيدمرون نفسية اللاعبين، فضلا عن الأسلوب السيئ في التعامل مع الناشئين، فيما يختلف الأمر في الغرب الذي يتخصص فيه المدربون، للعمل في مراحل الناشئين، ويتعمقون في هذا المجال ويقضون فيه سنوات طويلة، ويزيد على ذلك ضعف رواتبهم الشهرية، بينما لا يتسلمونها بانتظام في عدة دوريات مجاورة.‏‏


كفاءة المدرب‏‏


ويتضح من أن إعداد الناشئين والأشبال يرتبط بصفة أساسية بكفاءة المدرب وتخصصه وتأهيله، وصقله وتوفير المناخ المناسب لعمله، وأن كل خطوة من خطوات بنائه وإعداده لها إسهاماتها الفعالة في قيامه بعمله بأفضل صورة ممكنة. أما عن المشكلات المتعلقة باللاعبين فكان أهمها غياب التعاون الوثيق بين النادي والمنزل، يليها عدم اتباع نظام غذائي صحي متوازن للاعبين، فضلاً عن عدم التزام اللاعبين وانتظامهم في التدريب، بالإضافة لغياب الحوافز المادية والاجتماعية، بخلاف عدم متابعة اللاعبين دراسياً وتوفير الدروس الخصوصية لهم كما هو حادث في الكثير من الدول فضلاً عن ضرورة الاهتمام بوضع معايير لقيد اللاعبين وإجراء الفحص الطبي الدوري الشامل لهم. حيث يجب أن تكون هناك علاقة بين الأفراد المحيطين بالفئتين في النادي والمنزل حتى يتفهموا بشكل جيد المشكلات الخاصة بهما وبطرق إعدادهم ، فيما يشكل غياب التنسيق بين الإداري والمشرف الفني والمدرب أهم المشكلات.‏‏


حلول‏‏


و أبرز الحلول التي يمكن العمل عليها لحل تلك الأزمة وهو الحل الوحيد للنهوض بكرة القدم هو الاهتمام بإنشاء أكاديميات لإعداد اللاعبين فنياً ورياضياً وتربوياً، وما أتمناه هو إنشاء أكاديمية خاصة باتحاد الكرة وهذا هو حلم كبير نتمنى تحقيقه، حيث إن الأكاديميات تقوم بصقل موهبة اللاعبين وتدريبهم وتعليمهم الالتزام والنظام ولا تقوم بصنع موهبة اللاعب نفسها.‏‏

المزيد..