أطبق الحزن على بلاد السامبا، بلاد السحر الكروي الخامد اليوم، ومعه توقفت الطواحين الهولندية عن الدوران وأفرغت ما في جعبتها،
وأخلى الجميع الساحة للماكينات وراقصي التانغو لعزف آخر المقطوعات «الكروية» في نهائي يتكرر للمرة الثالثة بين المنتخبين غداً.
نهائي يعيش إيقاعه المسبق في الخيال على نسج الأسطورة الكروية مارادونا مونديال 86 حيث طغى نجمه على الجميع وأوقف الماكينات.. لكن الثأر كان سريعاً في المونديال التالي وفاز الألمان بهدف وحيد.. وها هما الفريقان في لقاء ناري يسعى فيه ميسي ورفاقه إلى استعادة أمجاد الأساطير وترجيح الكفة، فيما يريد الماكينات كل شيء..
ولأننا سنتابع الكثير من التفاصيل جانباً لابد من العودة إلى المباراة الأكثر درامية وألماً في تاريخ البرازيل وتاريخ المونديال – إذا شئتم – فسبعة أهداف في مرمى السحرة رقم خيالي ، وانهيار لم يحدث سابقاً، وإنجاز لم يشهده نصف النهائي حتى مع الفرق الصغيرة الهاربة –أحياناً- إلى هذا المكان..!
انهيار لم يكن أشد المتشائمين يتوقع مشاهدته للاعبي السامبا وهم يتدحرجون فوق الألم والدموع ويتلقون أربعة أهداف في سبع دقائق وسبعة أهداف في النهاية مقابل هدف لا أظنه يحفظ ماء الوجه وإذا قيل ذلك فهو من قبل العزاء الفارغ!
كرم ضيافة برازيلي لم يسبق له مثيل وفاق كل تصور في تقديري..!
وإذا ذهبنا إلى الصورة بشكل عام في محاولة للقبض على ما حدث لابد لنا من الوقوف عند ما قاله توني كروز لاعب وسط الماكينات: «اتضح لنا بعد مرور دقائق وجود مشاكل لدى المنتخب البرازيلي وأنه لم يكن في حاله ونجحنا في تسجيل الأهداف.. وجدنا الفرصة ونجحنا في استغلالها»
يأخذك هذا الكلام في دلالة واضحة على صراع حالتين وعقليتين فوق المستطيل الأخضر..!
حالة الانضباط العالي المرافقة بثقافة كروية نافذة تدرك وضع الخصم فتقدم على ما يجب فعله حيث شاهدنا بدقة تلك الدقائق السبع المروعة بعد الهدف الأول.. وبالمقابل حالة الهلع المرافقة لفقدان التوازن استمرت على مدى شوط كامل للاعبين من طينة النجوم وهو أمر نادر الحدوث لا يمكن فهمه سوى في إطار الضغط الجماهيري الشديد والوقوع تحت «نار» الخوف من غيابات مؤثرة فشل الجميع في إيجاد العلاج الأنسب لها بين أوراق السامبا المهترئة.. وفوق ذلك كله زاد فقدان الأمل والهوية بعد تألق نوير مع كرتين برازيليتين دون جدوى..!
وتبقى صورة ذلك الرجل الذي يحضن كأس العالم وهو يشده بيديه إلى صدره أكثر الصور تعبيراً عن مدى الخيبة التي صفعت عشاق السامبا بقسوة..!
في النهاية إن هذا الفوز العريض جنّب المونديال من أسوأ سيناريو يخشاه الجميع وهو التقاء البرازيل والأرجنتين في النهائي لأن بينهما ما صنع الحداد كروياً..!!
غســـــان شـــمه
gh_shamma@yahoo.com