فيلبس يطير ولا يسبح.. (8) ذهبيات أدخلته تاريخ العظماء

اعتقد الشعب الأميركي أن السباح مايكل فيلبس غرق في مستنقع الأهواء الشخصية

fiogf49gjkf0d


إثر تسليط وسائل الإعلام على خبر إلقاء القبض عليه في تشرين الثاني 2004 بتهمة قيادة السيارة تحت تأثير الكحول وذهب ظن النقاد بعيداً حتى توقعوا أن شهرة النجم العالمي التي نالها في أولمبياد أثينا 2004 ستحطمه كما حطمت نجوماً سبقوه إليها.وقضت المحكمة بتغريم فيلبس 250 دولاراً وإخضاعه للمراقبة لمدة 18 شهراً بعد اعترافه بالتهمة, كما أجبرته على حضور اجتماع منظمة (أمهات ضد الخمور) وإلقاء محاضرة على طلبة مدرسة ثانوية عن قيادة السيارة وتأثير الكحول السلبي على أداء الإنسان, وأعرب فيلبس فيما بعد عن ندمه لتلك الزلة واعتذر في برنامج تلفزيوني لعائلته والشعب الأميركي وقال: لقد أسقطت نفسي في أمر مشين وتسببت في خيبة ظن عائلتي وعدد كبير من الناس في أميركا.‏


يتساءل الناقد في صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية ديفيد ميلر عن مدى دقة وصف الأميركي فيلبس بأنه الرياضي الأعظم في التاريخ, وقدم الناقد شواهد تاريخية تشير إلى غياب الموضوعية في إطلاق مثل هذه الصفة خصوصاً عند الحديث عن منافسات رياضية, وأعاد إلى الأذهان إنجازات عدد من الرياضيين واستذكر بالذات اسطورة فنلندا الراحل يافو نورمي.وخلص ميلر إلى أنه من الظلم مقارنة أجيال مختلفة في الألعاب حتى إن كان الأمر يتعلق برياضيين في اللعبة ذاتها مثل المقارنة بين السباح الأميركي الاسطورة مارك سبيتز ( نجم أولمبياد ميونيخ 1972) ومواطنه فيلبس لأن الظروف تختلف من عصر إلى آخر فضلاً عن أن أداء الرياضيين يتطور بفضل تطور الإعداد علمياً وتطور الأدوات والإمكانات ومنها مثلاً بدلة السباحة الجديدة. ويشير سجل الشرف التاريخي للأولمبياد إلى أن لاعبة الجمباز السوفييتية لاريسا لاتينينا جمعت 18 ميدالية (9 ذهبيات 5 فضيات 4 برونزيات) فيما أحرز الفنلندي الطائر نورمي 3 ذهبيات في أولمبياد انتويرب 1920 و5 ذهبيات في باريس 1924 أما الذهبية التاسعة فحصل عليها في أولمبياد أمستردام 1928 إضافة إلى 3 فضيات.وحقق نورمي في يوم واحد ذهبيتي سباقي 1500 و5 آلاف متر في أولمبياد باريس ولم يفصل السباقين سوى ساعتين فقط لذا يعتبر النقاد أن نورمي فعل المستحيل على مدى العصور لأن من الصعب الفوز بسباق يتطلب جهداً مثل 1500 متر ثم يتبعه البطل بإنجاز آخر لسباق 5 آلاف متر الذي يحتاج جهداً جباراً للظفر به.‏


ويؤكد سبيتز الذي حصد 11 ميدالية (9 ذهبيات, فضية, برونزية) في أولمبيادي 1968 و1972 أن : فيلبس أعظم سباح يمشي على كوكب الأرض وربما أعظم رياضي بعد الملحمة التي سطرها في أحواض السباحة الأولمبية.‏


حسابياً, تفوق فيلبس على الأساطير الأولمبية ونسخ رقم سبيتز في عدد الذهبيات في أولمبياد واحد بعد أن حاز الذهبية الثامنة بعد فوزه بسباق التتابع 4 في 100 متر متنوع مع منتخب بلاده واستطاع السباح الأميركي الشاب أن يجمع في مشاركاته الأولمبية 16 ميدالية (12 ذهبية وفضيتان), ومازال فيلبس (23 عاماً) يمتلك متسعاً من الوقت لتعزيز سجله إذا سارت الأمور بحسب ما يخطط لها لأن أي إنجاز يضيفه إلى سجله في أولمبياد لندن 2012 سيضع إنجازه في خانة المستحيلات لتحطيمه.‏


نبغ فيلبس مبكراً في السباحة وظهرت موهبته عندما بلغ 7 أعوام وبدأ هواية تحطيم الأرقام القياسية في العاشرة عندما سجل رقماً وطنياً على مستوى أميركا لمرحلته السنية وتوالت أرقام مراحل الناشئين في التساقط مع بروز فيلبس الذي شارك في أولمبياد سيدني 2000 وعمره 15 سنة وحل خامساً في سباق 200 متر فراشة غير أنه سجل للسباق ذاته رقماً عالمياً جديداً بعد 5 أشهر من الأولمبياد ليدخل بعدها مرحلة النجومية في سن 15 عاماً و9 أشهر ليصبح أصغر سباح في العالم يكسر رقماً عالمياً, واقتحم الفتى القادم من مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند صدر الصفحات الرياضية بإنجازاته المتتالية حتى وصل به الأمر إلى أثينا 2004 حيث شهدت بزوغه في سن 18 عاماً بإحرازه 6 ذهبيات وفضيتين. فيلبس الذي يصفه الكاتب في صحيفة )كانساس سيتي( ماركوس هايس بالطفل الشرس الذي يحمل وجهاً بريئاً وجسماً أشبه بالنمر, تساعده ذراعاه الطويلتان في أدائه الفني المذهل ورغم قصر رجليه نسبياً إلى طول جسمه إلا أن قدرته العالية على مد كاحله بزاوية منفرجة تقترب من الاستقامة كراقصي الباليه, تعطيه ميزة دفع الجسم تحت الماء بقوة وكفاءة فيما يتحدث المحيطون به عن ممارسته السباحة لمدة 4 ساعات يومياً ما يفسر تناوله كمية هائلة من الطعام يومياً.ورغم أن السباحة لعبة فردية إلا أن فيلبس أظهر مقدرته في خوض اللعب الجماعي وبراعته فيه عندما أحرز ذهبيتين مع فريق التتابع الأميركي في حين يندمج في الفريق تماماً ما دفع زميلاته السباحات الأميركيات إلى الإشادة به وقالت عنه كاتي هوف: فيلبس يجعل الأمر هكذا… إما الذهب أو لا شيء غيره.‏


عائلياً, يحظى فيلبس بحنان دافئ من والدته ديبورا التي تابعته في بكين مع شقيقتيه هيلاري وويتني وهو مرتبط جداً بأسرته ويشعر بامتنان لولادته التي انفصلت عن والده عام 1994 ويعمل الأخير في شرطة ميريلاند فيما تزاول ديبورا مهنة تربوية فهي مديرة مدرسة ومارست الشقيقتان السباحة قبل مايكل واقتربت ويتني من تمثيل أميركا لولا إصابتها التي أجبرتها على اعتزال اللعبة المفضلة عند العائلة, وأكملت الأم فرحة الأسرة بفوزها بلقب الأم المثالية لأولمبياد بكين الذي تهديه شركة (جونسون وجونسون) وقالت ديبورا: أنه شرف رائع الفوز بهذا اللقب لقد كنت مثل باقي الأمهات أبحث دائماً عن سعادة أبنائي وتمنيت التألق لهم دون التدخل في شؤونهم. 8 سباقات و8 ذهبيات و7 أرقام قياسية, ويستعد حالياً لأولمبياد لندن 2012, لا يمكن لأحد في أميركا أن يبقى غاضباً على فيلبس بعد خطئه في تشرين الثاني 2004 بل سيوسع الشعب الأميركي المرور في الطرقات السريعة للفتى الذي لا يبدو أنه يسبح كما يتخيل الجميع.. أنه يطير.‏

المزيد..