متابعة – أنور الجرادات: في عالم كرة القدم الحديثة تتكلم لغة المال والأرقام والشراء والبيع لسلع من نوع آخر وصناعة النجوم على هامش الصفقات الضخمة وبين ليلة وضحاها يمسي هذا لاعباً عادياً ويصبح آخر نجماً هو الأغلى في تاريخ الكرة.
السماسرة والمقربون للأندية وللاعبين يسعون إلى التسويق الدائم لموكليهم والقصد إيصالهم إلى النجومية ورفع قيمة أسهمهم في كواليس بورصة كرة القدم حيث تصنع الأساطير وتبدأ رحلة النجومية.
الأسعار والأندية
وتتصاعد أسعار اللاعبين بين سنة وأخرى ومرتبطة بالواقع المالي للأندية، بالرغم من أن الجميع إن لم نقل أغلب أنديتنا تعيش ضائقة مالية مخيفة ومنها من يتحمل أعباء ديون متراكمة وهي تتزايد مع كل بداية موسم نتيجة ضم عدد من اللاعبين الجدد في صفوف فرقهم وهذا الأمر يحتاج إلى المال الوفير والكبير نتيجة طلبات اللاعبين للمال من خلال مقدمات العقود الكبيرة والخرافية عدا عن الراتب الشهري ومكافآت الفوز والتعادل التي سيحصل عليها اللاعب وكل هذا مدون في عقد اللاعب.
وهذا يدل على أن كرة القدم تسعى إلى الخرافية حيث ينفصل فيها لاعبو اللعبة الأكثر شعبية في العالم عن العالم المتابع والمشجع، فلا يمكن مقارنة الأرقام التي تتكلم بها الكرة بأي مهنة أخرى علا شأنها أم قل في أي بلد من العالم، وعلى الرغم من الأهمية القصوى للمال في كافة مجالات الحياة إلا أن الثابت بأن أغلب اللاعبين إن لم نقل جميعهم همهم الأول والأساسي أصبح المال ثم المال ثم المال، والنظريات والمثاليات وأولاد النادي أصبحت فقاعات صابون ولا قيمة لها بالنسبة لهم، والأمر لايعنيهم بتاتاً المهم عندهم ماذا سيحصلون عند توقيعهم وليس ما اسم النادي أو ما موقعه في الترتيب، المهم قبض المال، وبنظرهم هذا الكسب السريع وبصورة طردية لتصل المبالغ حد الجنون.
وكلاء ولاعبون
وأصبح للاعبين وكلاء أعمال وهم قوة ضاربة، إذ يعملون كوسطاء بين اللاعبين والأندية ويتقاضون مبالغ خيالية عند إتمام صفقات الانتقال، وبسبب الارتفاع الجنوني في أسعار صفقات انتقال اللاعبين وحتى المدربين يتقاضى الوكلاء مبالغ ضخمة، طبعاً لا ننسى دور السماسرة وما يفعلونه بإتمام صفقات الانتقال، وينتشرون بكثرة عندنا، والحقيقة تقول بأن هناك سماسرة في كل أنديتنا وهذا كلام مثبت وهم معروفون للجميع ويعملون بالخفاء وبالعلن دون حسيب أو رقيب.
ولا يمكن بطبيعة الحال إنكار مجهود اللاعبين في إثبات أنفسهم والركض وراء المجد ( بالسراج والفتيلة ) واعتنائهم بصحتهم وقوتهم الجسمية والبدنية التي تساهم في رفع قدرتهم على العطاء في أي مستطيل أخضر ولكن كما يقال كرة القدم ليست مهمة جداً وهي لا تنقذ أرواحاً أو تقدم خدمات كبيرة للبشرية بل هي فقط تسلي الناس وتحاول أن تنسيهم همومهم خلال تسعين دقيقة .
وهذا كلام دقيق إلى حد بعيد ويمكنه أن يعبر عن رأي الكثير من جماهير كرة القدم، فمهما كانت مهارة اللاعبين وإمكانياتهم لا تتجاوز مهمتهم الأهداف ولا ينتظر منهم ملايين المتابعين سوى التسجيل في مرمى الخصم أو صد الكرة عن مرماهم.
ويعتقد كثيرون بأن الموسم الكروي القادم ( ٢٠١٩ – ٢٠٢٠ ) سيكون موسم الصفقات الخرافية والكبيرة والبوادر في ذلك بدأت تظهر من خلال ما نسمعه ونقرأ عنه في صفحات الأندية الخاصة والرسمية، طبعاً هذا الأمر يتعلق باللاعبين وأيضاً ينطبق على المدربين، وخير دليل ما أشيع مؤخراً عن المبلغ الكبير والخرافي الذي سيحصل عليه المدرب حسين عفش لقاء إشرافه على تدريب فريق حطين، وليس العفش وحده بل الحبل على الجرار والمفاجآت قادمة لا محالة، وقريباً جداً، وستكون مفاجآت صاعقة وستتكبد الأندية ديوناً في ذمتها تحتاج لسنين كي تردها وتسددها لأصحابها، هذا إذا ما أكلت إدارات الأندية حقوق بعض لاعبيها وهذا يحدث في كل موسم.
العقود وميثاق الشرف
نعم نسمع مثلاً عن انتقال لاعب ما بعقد قيمته بالملايين، هذا لا يعني أن اللاعب هو الذي سيأخذ هذه الملايين وإنما فريقه، ولكن قيمة العقد ليست كلها للفريق ويملك كل لاعب عقداً بعدة سنوات يبدأ بالسنة وربما ينتهي بالأربع، وعند شراء عقد لاعب بأربع سنوات مثلاً وأراد فريق آخر شراءه بعد سنتين بقيمة الصفقة يأخذها الفريق وليس اللاعب ويأخذ اللاعب أجرة شهرية يتفق عليها مع فريقه الجديد ولكن إذا انتهت الأربع سنوات فإن قيمة كل الصفقة يأخذها اللاعب وتحذف منها الأجرة الشهرية وتقسم على عدد سنوات العقد الجديد.
فميثاق الشرف بين الأندية الذي تحدث عنه في مقال سابق لن يفيد وهناك للأسف من يعارضه جملة وتفصيلاً والأنظمة والقوانين الناظمة في هذا الموضوع إما فضفاضة أو قصيرة والوعي ليس كالغداء يتم تناوله عند الحاجة وإنما هداية وتوفيق من الله وإدراك بالعقل وتدبر بالفكر.
وماذا بعد …وقلت في مقالي السابق إن ميثاق الشرف بين الأندية ما هو إلا حبر على ورق والعيب ليس في الميثاق بل في الذين لا يحملون روحه ولا يتعاطون مضمونه ولا يدركون أهدافه وأبعاده ولذلك تمادوا في التصعيد عبر الصفحات الرسمية للأندية بخطابات للصفقات الخاصة باللاعبين والمدربين وهي تتنافى مع مبادئ التنافس الشريف، فبدا المشهد الكروي كساحة عراك فالثراء وقوده والتحدي سلاحه.