متابعة – أنور الجرادات : لا يكاد يمر يوم في هذه الفترة دون أن نسمع عن تعاقد أحد الأندية المحترفة مع لاعب في صفقة لا نحفظ منها إلا قيمتها المالية دون البحث في بعض الأحيان عن اسم اللاعب ومسيرته وقدرته على إعطاء الإضافة والطريقة التي تمت بها عملية التعاقد، وهنا نستحضر الكثير من هذه الحالات الحاصلة وما أكثرها.
هذه الصفقات وعلى مر تاريخها كلفت أنديتنا مبالغ مالية كبيرة مقابل مردوديتها الضعيفة سواء كان على الصعيد الرياضي ونتحدث عن الألقاب التي ساهم هؤلاء في إحراز أنديتنا لها أم اقتصادياً عندما يتعلق الأمر بعملية بيعهم لأندية أخرى خارج سورية بغية الاستفادة منهم مادياً.
شح بالأموال ولكن؟!
الآن أصبحنا نتحدث عن صفقات تبرم بالملايين الملايين في الوقت الذي تعاني فيه أنديتنا من الشح والعجز المالي إن لم نقل غير المتوفر أساساً، أليس واجباً على الأندية أن تعمل على مبدأ المثل الدارج (( على قد لحافك مد اجريك )) بدل البحث عن التهافت نحو صفقات قياسية تلبية لرغبات معينة تصل في وجه من أوجهها إلى تنافس غير معلن بين رؤساء الأندية أو إلى كسب ود وتعاطف الجماهير مع كل تعاقد من العيار الثقيل لتغطية باقي مواطن الفشل.
هذه الظاهرة في عمقها لا يمكن للوضع المالي العام للأندية أن يتحملها، فهي ما تزال تخطو الخطوات الأولى نحو الاحتراف الحقيقي لأن أغلب الموارد المالية لهذه الفرق تتأتى من الإيرادات الذاتية من خلال الاستثمارات طبعا في بعض الأندية وأحيانا تأتي مساعدات وإعانات أو من بعض مداخيل الجماهير، كل هذا في ظل غياب مصادر التمويل أو الدعم من الجهة الرسمية الرياضية ( الاتحاد الرياضي العام واتحاد الكرة) ما جعل أغلب النوادي تعلق كل آمالها على ما يسمى برجالات النادي أو الداعمين أو الأب الروحي أو شخص واحد يعطي بسخاء من أجل تحقيق هدف رياضي.
غياب الأسس العالمية
وبين الطريقتين لا نجد تصرفاً مالياً يبنى على أسس علمية وفق نظام مالي محترف وهو ما يجعل الوضع المالي العام هشاً كلما تعلق الأمر بإبرام صفقة من العيار الثقيل حيث تشهد ميزانية بعض النوادي عجزاً في نهاية الموسم مرده اختلال التوازن بين المداخيل والمصاريف نظراً للعجز عن تسديد تكاليف تلك الصفقات على المدى المتوسط والبعيد.
في أوروبا مثلاً تبلغ قيمة تنقلات بعض اللاعبين عشرات الملايين لكن هناك استراتيجيات واضحة لكيفية تسديدها عن طريق الاستثمار والإشهار والترويج للقمصان الرياضية التي تحمل اسم أو توقيع ذلك اللاعب، بينما مازلنا نحن الآن نبتعد كل البعد عن تلك الثقافة، فأغلب الأندية لا تكلف نفسها حتى عقد ندوة صحفية أو مؤتمر صحفي لتقديم اللاعب الجديد بشكل لائق.
أبعاد اجتماعية وتربوية
من جهة أخرى فإن أنديتنا المحترفة حاليا وبالنظر إلى القوانين التي تحكمها تعتبر مرافق عامة ذات أبعاد اجتماعية تربوية بما يعني استيعاب الأطفال والشباب المنتمين لهذا النادي عن طريق أنشطة تثقيفية ورياضية حضارية، وهذا الأمر تعمل وفقه أغلب أنديتنا إن لم نقل كلها وتساهم في تأطيرهم وتبعدهم عن المظاهر الشاذة بكافة مسمياتها وتمكنهم من الاستفادة من هذه النوادي التي يساهمون بقسط معين في ميزانيتها بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويأتي اللاعب من خارج النادي ليلهف الملايين بينما يظل بعض لاعبي النادي وخاصة الشباب يبحثون عن ثمن تذكرة لدخول المباراة يوم الجمعة لمشاهدة هذا النجم، وهنا تحدث صدمة كبرى عندما يجده في المقاعد الاحتياطية أو في المدرج أو يلعب بطريقة تسبب الأرق للجميع وتجعلهم يندبون حظهم على ذلك المال المهدور في ظل وضع عام لا يحتمل المزايدة في هذا الموضوع .
والمنطق يترجم حقيقة المثل العربي الذي يقول(على قد لحافي بمد رجلي) ولذلك نعتقد أن لكل فريق لحافه وإمكاناته التي يدرك حجمها ويعرف هل أن خزينة ناديه تحتمل أو لا تحتمل، ونعتقد أن هناك الكثير من الأندية لا تستطيع التعاقد مع أكثر من لاعبين أو ثلاثة مستواهم كمستوى لاعبيها لكن سبب التعاقد الحقيقي هو مراكز هؤلاء اللاعبين، وكذلك لا تستطيع بعض الأندية القيام بأي صفقة كبيرة قد تبعثر أوراقها ولا تتماشى والموازنة المالية المبرمجة، على حين أن بعض الأندية الأخرى قد تكون قادرة على ذلك وقد تبادر بإبرام صفقات كبيرة وكبيرة جدا من أجل امتصاص غضب جماهيرها العاشقة والمحبة أو ما شابه ذلك، فضلاً عن لهثها وراء ذلك قصد الدفاع عن حظوظها وخاصة في المشاركة الخارجية التي نعرف أن حوافزها أيضا كبيرة .
وأخيراً
نعتقد أن الصفقات الخيالية التي تبرمها وستبرمها بعض أنديتنا غير منطقية بالنظر الى الواقع المالي لأنديتنا ونظن أنه كان بالإمكان المراهنة على تكوين شباب النادي وأولاده والاستفادة منهم وهي خطوة ستساهم في نجاح الأندية وستمكن كذلك من خلق نواة أساسية للمنتخبات الوطنية.
ونعتقد أيضاً أن الاعتماد على القاعدة قد يكون أفضل حتى وإن لم يصبر الكثيرون على ذلك ولم يحرص على المطالبة بالنتائج الفورية التي ربما يرون أنها لا تفرزها غير حلول التعاقدات الكبيرة التي يكون فيها اللاعبون قادرين على تقديم الإضافة المضمونة.