تجده في المجالس الخاصة مجلياً، محلقاً، صاحب صوت قوي، واثقاً بنفسه، ينتقد ويحلل ويركب ويأتيك بالدلائل والبراهين الموثقة على مايقول ويشير إليه من أخطاء في وسطنا الرياضي..
الرجل، والحق يقال، يتميز بالمتابعة والمعرفة والحرص، الأمر الذي يساعده فعلاً على أن يكون صاحب «موقف نقدي» تجاه أخطائنا الرياضية ونتائجنا المخيبة، ومشاركاتنا الخلبية، ومناهجنا التدريبية المترهلة، وخططنا «الاستراتيجية» فاقدة الروح والطعم خارج الورق.
يشهد الكثير ممن سمعه أنه يقول الحق ويضع يده على الجرح، ويكبسه بكثير من الملح حتى يؤلم، لكن ذلك أمر لابد منه كما يؤكدون!.
دارت الأيام وأصبح الرجل مسؤولاً عن طاولة وثلاثة كراسٍ وبضعة رؤوس فبات يختار كلماته المنمقة بهدوء وروية، ويتردد كثيراً قبل أن يطلق رأيه بهذا العمل أوذاك..
لم يتأخر امتحانه طويلاً فقد كان يحضر اجتماعاً على جانب من الأهمية عندما سمع كلاماً يفتقد المنطق والموضوعية فضرب ذلك على «أعصابه» فاندفع، مستعيداً أيام زمان ليقول رأيه فيما يدور من مناقشات تفتقد القدرة على التحليل السليم وتوصيف الآلية المناسبة لتطوير الألعاب الرياضية التي يناقشونها ويعملون على تحسين واقعها، ولاسيما أنه من العارفين جيداً بواقعها.. في تلك اللحظة لمح نظرة ذات مغزى ودلالات في عيني أحدهم، فتذكر أين هو وكيف يمكن أن تتطور الأمور، فانكمش على نفسه قليلاً، لكنه لم يعد قادراً على التراجع تماماً، فاختار كلماته بعناية شديدة موجهاً أرق «سهام نقده» لما سمع، فجاءه الجواب سريعاً وحاسماً فما كان من رجلنا المقدام صاحب الصوت العالي بالحق إلا أن تراجع بهدوء تام، وعلى وجهه ابتسامة صفراء شاحبة، وهو يؤكد أنه كان يفتقد في إجابته المتسرعة للإحاطة والشمولية في رؤية المشهد بكامله كما يفعلون لذلك تأتي رؤيتهم أكثر قدرة على تلمس آفاق المستقبل الذي غاب عن ذهنه كما يبدو.. بل إن الرجل من شده ارتباكه، أطنب في المديح لدرجة جعلت أحدهم يرفع يده حاسماً وموقفاً هذا السيل من التقريظ الخائب.. فما كان من صاحبنا إلا أن تهالك على كرسيه وبدا كما لو أنه ينكمش ويصغر فيه حتى باتت العيون لاتلمح منه سوى شبح هائم..
أمثال صاحبنا هذا لايخشون في الحق لومة لائم, لكنهم طيبون جداً ورقيقو القلوب إلى درجة الإصابة بالسكتة الصوتية أمام أصحاب «الرأي الوجيه» ممن تعرفون ويعرفهم بطلنا بعد مسؤوليته عن تلك الطاولة.
يبقى أن الخيال أساس ماسبق فإن صادف أن وجدتم بينكم من ينوء بشيء من تفاصيل الحكاية السابقة فإن في الواقع شيئاً من الخيال والعكس مقبول وصحيح!.
gh_shamma@yahoo.com
غســـــان شــــــمه