ودّعت أسرة كرة القدم في العالم علماً من أعلام اللعبة وهو الهولندي يوهان كرويف أحد مبدعي الكرة الشاملة الذي نفثوا السحر في ملاعب المستديرة الصغيرة بعد صراع مع المرض الذي لا برء منه، ولأنه ليس لاعباً عادياً حري بنا التذكير به بعد أسبوع من وفاته.
أحد الأساتذة
عندما يُسأل نقاد اللعبة عن أبرز أساتذة القرن العشرين في كرة القدم، فإن بيليه ومارادونا أول من يتصدر القائمة بدليل تفردهما بلقب لاعب القرن المنصرم، وصحيح أن قليلين من تتم مقارنتهم بالنجمين المذكورين، لكن الأمر مختلف مع الجناح الطائر كرويف، رغم عدم حصوله على لقب دولي، واقتصار حضوره الكبير على مونديال 1974 ونهائيات يورو 1976 مع فارق الحضور والبصمة، فامتلك من الموهبة ما جعله نجماً ساطعاً في سماء الكرة، ومكّنه من دخول تاريخ أعلام اللعبة، ولو فاز بكأس العالم 1974 لنال من الشهرة أضعاف ما ناله، ولكانت مكانته بين أباطرة الكرة أكثر بكثير مما هي عليه الآن.
هو من القلائل الذين نجحوا بامتياز كلاعبين ومدربين، بل الذين كتبوا اسمهم بأحرف من ذهب قارياً وعالمياً، فأصبح الأساطير، ورقصت على اسمه أجيال، وتغنت به شعوب، وهو من النوادر الذين جمعوا محاسن الصفات الأوروبية واللاتينية للاعبين.
كرويف سجل في 22 دورياً متتالياً في هولندا وإسبانيا والولايات المتحدة، وهو ثاني الهدافين التاريخيين لأياكس بـ271 هدفاً متأخراً بهدفين فقط عن بيت ران فينين الذي لعب بين 1929 و1942 ولكنه أول من ارتدى القميص رقم 14 خروجاً عن المألوف (من 1 إلى 11) وأول من فاز بجائزة الكرة الذهبية ثلاث مرات 1971 و1973 و1974 حيث جاء من بعده بلاتيني وفان باستن وميسي، وبذلك هو أول من احتفظ بها، كما اختير أفضل لاعبي هولندا خلال 50 عاماً في اليوبيل الذهبي لليويفا، وأفضل رياضي هولندي 1973 و1974.
جمع بين المهارة والقوة وبين الخيال واللذة، وبين الإبداع والرغبة، فهو القائل عن تجربته الدولية: أثبتنا للعالم أنه بإمكان اللاعبين الاستمتاع بكرة القدم التي هي مناسبة للضحك وقضاء أوقات شيقة، مثّلت جيلاً أثبت للعالم أن الجمع بين اللعب الجميل والمتعة والألقاب أمر ممكن، وكلامه أثبته برشلونة سواء بعهد كرويف لاعباً ومدرباً أم بعهد غوارديولا ومن بعده أنريكه.
ميزات نادرة
اشتهر بين عشاق اللعبة بفلسفته الكروية لدرجة أن كلماته الملهمة تُستخدم في إدارة الندوات، وبأناقته وفنياته المذهلة وسرعته الفائقة، ولعبه النظيف، وتدخلاته الرزينة، وتمريراته الحاسمة والدقيقة، ومزجه بين براعة صانع الألعاب ودقة الهداف، فقد كان يقترب من العدائين في سرعته، ومن ستانلي ماتيوز في مراوغاته، ومن الصيادين في إصابة الهدف، ومن قائدي الأوركسترا في توجيه الفريق، ومن بيليه في تأثيره لدرجة أن البعض لقّبه ببيليه الأبيض.
لم يخض سوى 48 مباراة دولية بين 1966 و1977 وهذه نسبة قليلة، ولكنه حمل شارة القيادة في 33 مباراة، وإذا كانت المسيرة الدولية خالية من الألقاب، فإن المسيرة النادوية عامرة بما لذّ وطاب مع الأندية الهولندية، فحاز مع أياكس على دوري الأبطال 1971 و1972 و1973 وفاز بثنائية الدوري والكأس غير مرة، بل إن موسم 1971/1972 شهد فوز أياكس بخماسية تاريخية (الدوري والكأس المحليتان ودوري الأبطال والسوبر الأوروبيتان والانتركونتيننتال)، وكما اختير أفضل لاعبي هولندا أيام الشباب، فقد نال الشرف وهو على عتبة الاعتزال، ولأجل ذلك هو أيقونة هولندا الأعظم كروياً، وهو أحد ستة فازوا بدوري أبطال أوروبا لاعباً ومدرباً.