متابعة_ أنور الجرادات :
تشهد أندية الدوري السوري الممتاز لكرة القدم حالة غير مسبوقة قبيل انطلاق الموسم الجديد، بعدما ارتفعت وتيرة استقالات المدربين بشكل مفاجئ، في ظاهرة تُعد استباقية لدوامة الإقالات المعتادة الّتي لطالما طبعت عمل الإدارات الفنية في السنوات الماضية.
وتأتي هذه الموجة لتعكس حجم القلق داخل الأندية واستشعار المدربين لبيئة عمل قد تكون غير مستقرة منذ صافرة البداية.
وسُجّلت حتى الآن 4 استقالات بارزة: البداية كانت مع استقالة مدرب جبلة سليم جبلاوي، لتتبعها استقالة مناف رمضان، ثمّ مدرب الحرية مصطفى الحمصي، وصولًا إلى الاستقالة الأحدث التي قدّمها مدرب الفتوة محمد عقيل.
وتشير المعطيات إلى أن القائمة مرشّحة للاتساع، في ظل ما يُتداول عن نية بعض المدربين الابتعاد قبل الوقوع في فخ الإقالات الّتي اعتادت إدارات الأندية اللجوء إليها سريعاً عند أول تعثّر.
وتوصف الاستقالة في العرف الكروي المحلي بأنها حالة استثنائية، إذ لا يلجأ إليها المدرب عادة إلا بعد استنزاف صبره أو فقدانه الثقة بجدوى الاستمرار، أو ربما بسبب عرض بديل يطرق بابه.
لكن هذا الموسم يبدو مختلفاً، فالكثير من المدربين يدركون أن الأجواء المحيطة بأنديتهم لا تمنحهم المقومات اللازمة للنجاح، ما يدفعهم إلى قطع الطريق على قرار الإقالة المتوقّع، ومغادرة مواقعهم بمحض إرادتهم.
وتكشف تصريحات عدد من المدربين في الدوري الممتاز عن وجود تدخلات مباشرة في صلاحياتهم الفنية، سواء في اختيار التشكيلة أو تحديد هوية اللاعبين المشاركين في المباريات، وعندما يشعر المدرب بأنه يقود فريقًا لا يملك فيه القرار الفني، تتضاءل فرص استمراره.
فالتدخلات الإدارية باتت سبباً مباشراً في خلق بيئة مضطربة، تسهم في دفع المدربين إلى الاستقالة قبل أن يصبحوا ضحايا لقرارات متسرّعة.
وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 70% من الأندية التي غيّرت مدربيها في الموسم الماضي لم تحقق أي تحسّن يُذكر، فالفرق الّتي كانت في ذيل الترتيب بقيت على حالها، والفرق المتوسطة لم تتجاوز منطقة الأمان التقليدية، فيما فشلت الفرق القوية في ترجمة التغييرات الفنية إلى بطولات أو نتائج كبيرة، وانعكس ذلك في الموسم الماضي بوضوح؛ إذ تغيّرت الأجهزة الفنية، لكن أداء الفرق لم يختلف كثيراً، وبقي التحسن – إن وُجد – طفيفاً وغير مؤثر.
ويجمع مراقبون على أن التغيير المتكرر للأجهزة الفنية يخلق تحسّناً نفسياً مؤقتاً أكثر مما يقدّم حلولاً فنية حقيقية، إذ تستمر الفرق في الدوران داخل الحلقة ذاتها دون تطور واضح، بل إن بعض التغييرات جاءت بنتائج سلبية، بعدما وجد اللاعبون أنفسهم أمام تعديلات تكتيكية غير منسجمة أو رؤية فنية لا تملك الوقت الكافي لتثبت نفسها.
ومع اقتراب انطلاق الدوري، تتجه الأنظار إلى إدارات الأندية الّتي تبدو أمام اختبار حقيقي: إما بناء بيئة مستقرة تمنح المدربين الثقة والصلاحيات، وإمّا العودة إلى مسلسل الإقالات السريع الّذي أثبت عجزه عن تحقيق النتائج، وفي المقابل، تبدو تحركات المدربين الاستباقية محاولة لحماية مسيرتهم في بيئة تعرف تقلبات لا تهدأ.
وبين استقالات مبكرة وضغوط إدارية وتوقعات بموسم صعب، يبدو الدوري الممتاز مقبلاً على انطلاقة مشحونة، قد تحمل المزيد من التغييرات قبل بدء المنافسات أو مع أول عثرة في الأسابيع الأولى، ما ينذر بموسم تتصدر فيه غرف الاجتماعات العناوين قبل المستطيل الأخضر.