تكوين لاعبي الفئات العمرية في أنديتنا بين الموجود والمفقود .. تدريبات عشوائية وأولياء يتدخلون ومواهب تقصى !
متابعة – أنور الجرادات:
قبيل انطلاق كل موسم كروي تتسارع خطى الأندية نحو تكثيف الاتصالات مع أكثر من لاعب قصد ضمه إلى فرقها، حتى أننا سجلنا في هذا الموسم تعاقدات الأندية مع الكثير من اللاعبين دون احتساب الاتصالات التي دارت مع أسماء أخرى في أكثر من اتجاه لكنها لم تفض إلى اتفاق نهائي .. لقد أعاد العارفون بعالم الكرةعندنا هذا التوجه أي اللجوء لكثرة التعاقدات ، والتي تكلف الأندية أموالاً كبيرة تتجاوز في أغلب الأحيان قدراتها المالية إلى عدم تعويل الفرق على أبنائها الشبان، وذلك لفقدان التكوين وعدم إيلاء الاهتمام للأصناف التي ينتمون إليها في صلب النادي .. كما توجد فرق أخرى تنفق سنوياً أموالاً طائلة على مراكز التكوين دون الحصول على نتيجة أو بروز أسماء جديدة قادرة على تقديم الإضافة والأسباب الكامنة وراء ذلك عديدة.
احتراف أم انحراف ؟
إنه لا يمكن الحديث عن مراكز التكوين في بطولة لم تبلغ بعد الاحتراف بالمعنى الصحيح للكلمة، لأنه يرى أن مهمة مراكز التكوين هي تكوين لاعبين محترفين لكن أغلبهم (وحسب رأيه) ينقلبون إلى «منحرفين» بانقطاع أغلبهم عن التعليم.
إذ يؤكد البعض بأن حياة اللاعب في مركز تكوين الشبان لا تقتصر على الأكل والنوم والتدريبات لأنها عوامل غير كافية لصنع لاعب محترف بل يجب عليه أن يمتلك حداً أدنى من التعليم ، ويعلل البعض هذه الفكرة بمثال عايشه الموسم الفائت عند إقصاء لاعب هام من فريقه، بعدم إيلائه أي اهتمام بالتعليم.
فيجب على المدرب أن يكون أكاديمياً ولاعب كرة قدم سابق في جعبته مسيرة رياضية محترمة .. لأن مهمته الكشف وصنع المواهب الكروية والعمل على تكوين شخصية متزنة للاعبين الشبان، والذي وللأسف – حسب رأي البعض – لم يحظى باهتمام كبير إذ اقتصر العمل في أغلب المراكز على الشق الأول فقط والمتمثل في اكتشاف وصنع المواهب الكروية.
أما عن الملاعب والأرضية الأساسية في عملية التكوين يجب أن تتوفر في النوادي، مما يمثل عاملاً هاماً في العمل على صقل مواهب الشبان .. وأن قلة عددها في المحافظات يمثل عائقاً إذ من الصعب أن تتدرب 8 فئات شابة في ملعبين أو 3 على أقصى تقدير، لأن في ذلك اكتظاظ كبير وهو ما سيجعل العمل صعبا بعض الشيء على مستوى التطبيق، خاصة في التدريبات والتقنيات التي تستلزم مساحات كبيرة.
ويضرب البعض مثلاً في ألمانيا ، حيث نجد فريقاً عادياً قد خصص 10 ملاعب معشبة للشبان ( عشب طبيعي ) بمعدل ملعب لكل فئة .. وأن مراكز التكوين في كرتنا تمتلك المادة الخام لكنها في حاجة ماسة للإمكانيات والتجهيزات الكافية لتطويرعملها.
الاهتمام بالمهمتين …
إن العمل على مستوى مراكز تكوين الشبان في كرتنا بصراحة في حاجة إلى العمل على المستوى الذهني وبصفة جدية مع إيلائه جانباً هاماً من الاهتمام، بسبب عدم الانضباط المفقود في بعض الفئات العمرية والذي يطفو على السطح بين الفينة والأخرى في أنديتنا، والذي نرجعه إلى عدم تكوين اللاعب منذ الصغر أي الانضباط واحترام المنافس، ونشدد في ذلك على ضرورة إيلاء الجانب النفسي الأهمية اللازمة من طرف الإطار الفني للشبان والعناية الضرورية باللاعب الشاب، لأنه في حاجة ماسة إلى التأطير الفني والنفسي على حد سواء.
إن على المدرب الاضطلاع بالمهمتين الفنية والإعداد النفسي للاعبيه الشبان، وهو ما يبدو مفقوداً بعض الشيء في القائمين على هذه الفئات الشابة.
العمل دون قواعد علمية !
ونرى أن العمل القاعدي ضمن أغلب انديتنا لا يرتكز على قواعد علمية ولا يواكب ماهو معمول به بأشهر المراكز إذ أن العديد من النقائص تعرقل عمل المدربين ضمن هذه الفئات «الحساسة» ولعل أبرز هذه العراقيل البحث عن النتائج، وعدم إيلاء العمل الفني الأهمية اللازمة إذ يكتفي أغلب المدربين بالبحث عن ذوي القامة الطويلة وإهمال الموهبة التي تميز لاعب عن آخر كما أن المدربين لا يسعون لصقلها.. ولكم في عديد اللاعبين الذين امتازوا بفنياتهم وأبرز دليل على غرار مارادونا وميسي الذي تميز بسرعته ودهائه.
عديد الفرق تنفق أموالا طائلة في سبيل انجاح العمل القاعدي وتكوين الشبان إلا أن ذلك لا يكفي إذ لم يكن لديها إطار فني كفء لا يبخل في إعطاء الفرصة لكل اللاعبين دون إقصاء مسبق وإدماج اللاعب الذي تتوفر لديه عدة مواصفات تساعده على التألق مع الاهتمام بالنواحي النفسية والاجتماعية للمواهب الصاعدة منذ السنوات الأولى هذا في تعاطي نشاطها الرياضي 7 سنوات – 10 سنوات، لأن المواهب موجودة بكل ربوع بلدنا، ولكن العديد منها لم تنل فرصتها وهذا يعود بالأساس لعدم اقتناع المسؤولين بعدة فرق كبرى خاصة بالعمل القاعدي واكتفائهم بالتعاقدات في وقت لاحق وهو ما يجعلها تنفق أضعاف أضعاف ما كان بالإمكان إنفاقه.
أسباب الفشل
العمل القاعدي وتكوين الشبان قد عرف تطوراً كبيراً خلال العقود الأخيرة، مما جعل عديد الأندية تختص في هذا المجال وبروز أسماء لامعة من المدربين، لكن هذا القطاع قد عرف عديد المشاكل أثرت سلباً على «المنتوج» مما دفع بالمسؤولين إلى البحث عن التعاقدات الجاهزة فعدة مراكز للتكوين وعلى مدى أكثر من 10 سنوات لم تتمكن من إنجاب إلا عدد قليل من اللاعبين الذين أثروا الزاد البشري لبعض الفئات العمرية ، والسؤال الذي يطرح نفسه : ما الذي يجعل هذه المراكز لا تقدر على تكوين فريق أي 11 لاعباً ؟ ونؤكد بأن عوامل عديدة ساهمت في هذه النتائج السلبية لعل أبرزها اعتماد المدير الفني على أسماء لا يمكن لها أن تنجح في عملها المزدوج (بيداغوجي، فني) كما أن ابقاء المدرب بنفس الصنف ساهم في تدني نتائج عمله، كما أن الهيئات المديرة ورغم الموارد المالية المخصصة للفئات الشابة تظل دوماً تتعامل مع الإطار الفني للشبان بسياسة المكيالين فلا تعطي للمدرب راتباً كبيراً، مما يجعل الأكفاء لا يقبلون العمل ويظل الباب مفتوحاً أمام «المدربين» الذين يتعاطون مهن ثانية تأتيهم بالمال … زيادة عن صعوبة ظروف العمل إذ كيف لمدرب أن يعلم الشبان في ملعب يؤمه أكثر من 70 عنصراً التمريرة الطويلة وكيف له أن يدربه على السرعة وهو يتدرب في ربع الملعب ؟
تدخل الأولياء
وظاهرة أخرى برزت خلال الأعوام الأخيرة ساهمت في تدني مستوى لاعبينا الشبان ولكم في المنتخبات الوطنية أكبر دليل، وهي تدخل الأولياء وتأثيرهم على عمل المدرب واختياراته وكم شهدت ملاعبنا في هذه الفئات العمرية الصغيرة وخاصة البراعم من مهازل فأمام غياب الإشراف الفعلي من طرف الهيئة المديرة ومواكبة الأعضاء للعمل القاعدي لا يمكن لعدة فرق أن تجني ثمار عمل مراكز تكوين الشبان التابعة لها وأفضل دليل اليوم ما تعيشه أغلب أنديتنا ، إذ تم خلال الموسم الماضي التعاقد مع أكثر من نصف الفريق وربما اكثر قلبلا من اللاعبين وهذا يعني أن العمل القاعدي أو تكوين الشبان قد «ضرب في الصميم» ، ولم تنجب هذه المدرسة منذ عدة مواسم أي لاعب وبذلك ظل اللاعب الشاب ضحية عمل غير مدروس ورغبة غير مشروعة لعدة أولياء وإحباط في نهاية المطاف، لذلك فقد حان الوقت اليوم لإعادة النظر في كل ما يخص تكوين الشبان، لكي لا يصبح النادي فقط هو الاستثناء ، وللأولياء رأي .
إقصاءات مجانية !
إن تكوين الشبان بعديد الأندية تحكمه العلاقات والمحاباة لأنه قد عاين هذه الممارسات العديد من أولياء اللاعبين ، باعتبار أن اولادهم وعديد اللاعبين الموهوبين كانوا ضحية إقصاء مجاني غير مبرر، كما أن المسؤولين بالإدارة الفنية لا يعيرون أهمية كبرى للمناطق التي تتواجد المواهب الصاعدة فيها ، بالمطالبة في إعادة النظر في سياسة تكوين الشبان بفرق الفئات العمرية .
تداخل الأدوار
وإن تكوين الشبان عندنا لا يجد الاهتمام والرعاية اللازمتين مثلما هو الشأن بالبلدان الأوروبية ، فالملاعب لا تستجيب لشروط العمل زيادة عن الاكتظاظ داخلها وكذلك التداخل في الأدوار، فرئيس النادي يحكم ويعين ويقيل ويقصي، أما المدرب فيكتفي بدور المنسق والملبي لرغبات المسؤولين أو الأولياء.. وهذا مخجل إذ لا يعقل اليوم أن لا نجد عناصر شابة ضمن عدة فرق من الفئات العمرية، ولأنه من خلال تجربة البعض فإن ما يجري في خصوص تكوين الشبان من محاباة وتدخلات لا يمكن السكوت عنه، إذ ذهبت ضحية هذه الممارسات العديد من المواهب الشابة .. ويجب ضرورة الإسراع بإعادة النظر في عدة برامج حتى لا يجد الأولياء أنفسهم يلاحقون السراب، رغم اقتناع العارفين بموهبة عديد اللاعبين الذين أصبحوا اليوم خارج حسابات المشرفين والفنيين.