(الملف المُغلق ) دوري المحترفين أندية تحت حصار المال .. فما هي الحلول ؟

الموقف الرياضي _ أنور الجرادات :

تعيش أندية دوري المحترفين، التي وجدت نفسها بين ليلة وضحاها مُلزمة بتطبيق معايير الاحتراف وأن تتطور فنياً وتنافس بقوة على الألقاب، في ورطة كبيرة لا تزال تستفحل في بعض الأندية ذات الموارد الشحيحة ومصادر الدخل القليلة ، ومع كل موسم تظهر عوارض الأزمة في نادٍ أو أكثر بما يُهدد مستقبله ومكاسبه ويقلّص فرص نجاحه، وأن يستمر مُدافعاً عن تاريخه وسمعته ومكانته في خارطة الرياضة السوريّة، ليتوالى الغياب والخروج من دائرة الأضواء، وتنعدم حظوظ العودة من جديد والمحافظة على الاسم الكبير …

مرت مواسم على تطبيق دوري المحترفين، الذي جاء بهدف إحداث تغييراتٍ فنيّة على واقع الكرة السورية، وإحداث نقلة جديدة تقود للمواكبة والتواجد بفاعلية في الساحات الإقليمية والقاريّة والدولية.

البحث عن التغير والتطوير وتطبيق معايير المحترفين، جاء دون أن يستند على خطة وخارطة واضحة تجهز القاعدة التي تُمثلها الأندية ، لتكون جاهزة لهذه النقلة وقادرة على الوفاء بشروط ومتطلبات التجديد المنشود.

جاء الاحتراف في غياب كامل للأسس والضوابط والقدرات، والإمكانات التي تجعل الأندية قادرة على أن تتفادى تبعاته وأن توفر فواتيره، هو ما أحدث ( هزة ) ظهرت مؤشراتها على أكثر من نادٍ خلال الفترة الماضية، حيث لم تعد قادرةً على مجاراة المنافسين، الذين تهيأت لهم ظروف أفضل ولديها داعمون أو استثمارات تعود عليها ببعض الأموال.

وبالرغم من أن الفوارق الفنية رغم تباين القدرات المالية بين الأندية لا تبدو كبيرة إلا أن هذا لا ينفي وجود عوارض واضحة تُشير إلى أن مستقبل معظم الأندية في خطر ، إذا ما استمر الوضع كما هو عليه اليوم وتصاعدت مؤشرات الديون، وتعددت حالات التهرب من تحمل مسؤولية إدارة الأندية، بسبب المخاوف والهواجس من الضغوط ومطالب الجماهير ونقد المعارضين.

الأوضاع في معظم الأندية الكبيرة تنذر بحدوث هزات اليوم أو غداً ، ستؤثر سلباً على مسيرتها ومن ثم ينعكس الأمر سلباً على الرياضة بشكلٍ عام، وهو ما يفرض ضرورة البحث عن آليات جديدة تمنع التدهور وتُساهم في إحداث حلول وإيجاد إجابات علمية وعملية،  للأسئلة الصعبة الكثيرة التي تدور في أذهان الرياضيين، وخاصة القابضين على الجمر في إدارات الأندية !

و تجدر الإشارة إلى أن الأوضاع الصعبة ذاتها التي تعيشها الأندية هنا ، تمر بها أندية أخرى ووجود أكثر من نادٍ اليوم تحت حصار المال، ومُعايشة المثل القائل ( العين بصيرة واليد قصيرة ) بحذافيره وتحوله لعنوان بارزٍ يُزاحم لافتة النادي، قادنا هذا الأمر بحثاً عن إجابات للأسئلة الحائرة والوصول إلى آراء صائبة يمكنها أن تشكل بقعة ضوء تفتح الأبواب أمام الحلول، ومعالجات جذرية تضمن للأندية الاستقرار وتحولها إلى قاعدة سليمة قادرة على الوفاء بما هو مطلوب منها، لدعم الرياضة وضمان مستقبل مليء بالنجاحات والإنجازات ، ومحاولين تنقيح الآراء المفيدة التي تقود لحوار مفيد وإيجابي، يحقق المصلحة العليا، ويضمن مسارات واقعية تفضي لمعالجات تقضي على أسباب السلبيات وتفتح الآفاق نحو واقع جديد يبشر بالخير ، ويمثل صمام أمانٍ في مواجهة العقبات وكل التحديات فالرعاية ( صفر )  في مؤشرات التسويق وغيابٍ كبير للشركات ..

فالرياضة السوريّة بشكل عام والأندية بشكل خاص، ظلت تعاني من غياب الرعاية والتسويق ويصل لدرجة الصفر في مؤشرات القياس، وذلك نتيجة إحجام الشركات عن الدخول في شراكات كبيرة ومؤثرة مع الأندية التي تمثل شريان الرياضة ، وتقوم بأدوارٍ كبيرة في تأهيل الشباب، ومنحهم الفرصة كاملة لممارسة الرياضة والتعبير عن مواهبهم وتفجير طاقاتهم وقدراتهم في مختلف الميادين.

في كثير من الدول ، تقوم الشركات الكبيرة والصغيرة بواجبها تجاه دعم الرياضة، عبر شراكات مثمرة مع الأندية إلا أن الوضع عندنا يُسجل غياباً واضحاً ومستمراً للشركات الوطنيّة، والتي يساهم القليل منها في دعم الرياضة عبر عقود رعاية مع الاتحادات، فيما يواصل البقية التفرج على الوضع والواقع دون أن يُبادر بتقديم المساهمات التي تنعش الرياضة وتدعم الأندية، وتساعدها للقيام بواجبها تجاه الوطن والمجتمع.

ارتفعت الكثير من الأصوات في الأندية مطالبة الشركات بالالتفات للرياضة والأندية، وذلك عبر دعمٍ حقيقيّ يدعم الميزانية ويحقق الفوائد المشتركة بين الطرفين إلا أن النداء لم يجد أيّ استجابة تُذكر وهو ما يؤكد أن الموقف سيتسمر طويلاً ، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ما نتوقعه أن تقوم الدولة عبر وزارة الرياضة والشباب برعاية ودعم الأندية بمقدارٍ جيد، وسوف تتحمل الوزارة المسؤولية وتُقدم الدعم والعون بصورة راتبة، وهو ما سيكون له كبير الأثر في إثراء الأنشطة الرياضية، وأن تحقق بعض الأندية النجاحات وتبرز في ملاعب الرياضة المختلفة.

وستظل الوزارة تقوم بواجبها كاملاً في رعاية الأندية والأنشطة الرياضية المختلفة وتجتهد في دعم كافة البرامج، التي تخلق جيلاً مُشبعاً بقيم ومبادئ الانتماء للوطن عبر تعلم قواعد الرياضة …

المُتمثلة في المنافسة القوية والكفاح والقتال، بحثاً عن الإجادة والإنجازات وتجاوز المصاعب والعقبات بالصبر والروح الرياضية.

وستقدم وزارة الرياضية دعماً ثابتاً للأندية في كل عام وبصورة مباشرة وغير مباشرة وتعين الأندية ، وتُقدم الحوافز للمجيدين في الأنشطة المختلفة، وكذلك تساهم في دعم المشاركات الخارجية للأندية..

كما ستقدم الوزارة إعانات لكل نادٍ سنوياً ، وسوف يساهم المبلغ بشكل كبير في دعم النشاط الرياضي في كل نادٍ ، ويمثل أساس الميزانية في بعض الأندية.

وتخصيص مبالغ لكل نادٍ ، لدعم مساعي الاستثمار وحماية الأندية من مواجهة مثل هذه الظروف التي تعاني منها اليوم.

وتعاني الأندية من غياب الدور الإيجابي للجمعيات العمومية ، والتي يقتصر علاقة بعضها مع النادي في ليلة انعقاد الجمعية العمومية لاختيار مجلس إدارة، ومن بعد ذلك تضعف العلاقة بين العضو والنادي، وتصل لحد عدم المساهمة أو المشاركة في أي عمل والإحجام عن تقديم الدعم لو عبر أي مساهمة بما فيها رسوم العضوية !

فتحولت الجمعيات العمومية في معظم الأندية لمقاعد المتفرجين ، وكأن الأمر لا يعينها من بعيد أو قريب ، وتترك كامل المسؤولية على عاتق مجلس الإدارة الذي يجب أن يتولى كافة المهام ويواجه العقبات والمشاكل منفرداً وهو ما تسبب في اليوم في عزوف الإدارات ، ورفض أصحاب التجارب والخبرة تقدم الصفوف والترشح لمجالس الإدارات.

وغياب أعضاء الجمعية العمومية بات يمثل واحدة من الأسباب التي تنتج الأزمات في الأندية وتعقد من مهام الإدارات وتجعل العمل في الأندية نادراً ، والمتعارف عليه أن الجمعيات العمومية تضمّ في صفوفها عدداً من رجالات النادي الذين يتقاسمون المسؤولية مع الإدارة ويقدمون الدعم المالي متى ما ظهرت حاجة للدعم إلا أن الأمر اختلف اليوم بشكل كبير وتناقص الداعمين من رجالات الأندية، وهو ما تسبب في حدوث العجز المالي لتصبح ميزانية معظم الأندية غير قادرة على مواجهة بنود الصرف .

وشهدت الفترة الماضية تقديم بعض مجالس إدارات الأندية لاستقالاتها ، لظروف لا تبعد كثيراً عن تضاعف حجم المسؤوليات وتراكم الديون ، وصعوبة توفير الميزانيات اللازمة لتسيير العمل والوفاء بكل ما هو مطلوبٌ وفي ذات الوقت ترفض بعض الإدارات مواصلة العمل بعد انتهاء فترة تكلفيها، وذلك لتفادي معايشة تجربة جديدة صعبة، تفرض عليها تحمل هموم النادي في غياب الداعمين وعزوف الجماهير..

قد تبدو الإدارات في وضع محرج وصعب وهي تعيش نازعاً صعباً بين الرغبة في تحمل المسؤولية  وبين ما يجب عليها ان توفره من دعم مالي يسهل من المهمة ويُعين النادي على كسب التحديات وتحقيق الطموحات.

اليوم بات تولي مسؤولية العمل في إدارة أيّ نادٍ يتطلب بعض المواصفات والشروط في مُقدمتها ان تكون الإدارة قادرةً على الصرف من (الجيب الخاص) وأن تكمل أي نواقص في الميزانية ، وفي الوقت ذاته تكون لديها خبرات جيدة في التسويق وكيفية جذب الرعاية والدعم، حتى لا تدخل في نفق الديون وتراكمها الذي يعد الخطر الأكبر الذي يهدد استقرار مجالس الإدارات.

ومطلوب أن يكون الرئيس مُقتدراً ومن رجال المال والأعمال، ويمكنه الصرف بسخاءٍ على ناديه ، وفي الوقت ذاته يتحمل أي نقد أو معارضة لسياسته وهي معادلة لا تتوفر إلّا نادراً في الواقع الراهن.

فالصعوبات كبيرة وتحمّل المسؤولية مخاطرة عظيمة والمال أكبر العقبات، واستمرار الوضع يعني المزيد من الأزمات ، فالحلول واضحة ، وتتطلب جرأةً وشجاعةً وتجاوباً من الشركات .

المزيد..
آخر الأخبار