اللاعبون المحترفون فضلوا الابتعاد عن القمة واجتذبتهم لعبة الأموال !
متابعة – أنور الجرادات :
عادة ما يبحث اللاعب عندما يحترف لعبة كرة القدم على تمثيل نادٍ تجمعه به مشاعر المحبة والألفة، فيرتاح معه وذلك من منطلق أن الراحة النفسية عنصر أساسي كي يُخرج اللاعب أفضل ما عنده، وبأن النجاح مقرون بأن تحب ما تفعله في أجواء تشعرك بالسعادة.
ومع المسار التصاعدي الذي سلكته كرة القدم منذ مطلع الألفية الثالثة تحديداً، ودخول المال بقوة إلى عالم الساحرة المستديرة، أصبحت عروض البيع والشراء وأسعار اللاعبين إضافة إلى الرواتب المدفوعة هي من تتحكم في مسار أي لاعب وتحدد وجهته والفريق الذي يلعب له، فلم تعد رغبة اللاعب الشخصية وحبه تمثيل قميص نادي معين هي من تحكم عملية انتقاله وذلك وفقاً لقدرات ذاك النادي الاقتصادية، وقدرته على تلبية رغبات اللاعب، حيث لم نعد نجد – إلا ما ندر – اللاعب الذي يفضل العواطف والأحاسيس والذكريات على مصلحته المادية.
تفاوت…
أفرز دخول المال إلى كرة القدم طبقية مادية بين أندية اللعبة، فهي لم تعد سواسية، بل أصبحت مثل أي مجتمع، فيها أندية ميسورة جداً، وأندية ميسورة، وأخرى متوسطة الدخل، إضافة إلى أندية ذي إمكانات مادية محدودة، ما انعكس أيضاً على رواتب اللاعبين وأسعارهم، فأصبحنا نرى نجوماً يتجاوز سعرهم ملايين الملايين وقد يصل إلى مبالغ خرافية فيكونون حكراً على الأندية ميسورة جداً كما أطلقنا عليها، ونجوم تتراوح أسعارهم أقل من هؤلاء يمكن للأندية الميسورة أن تضمهم إلى صفوفها فيما يذهب اللاعبون التي تتراوح أسعارهم أقل تقريباً إلى الأندية المتوسطة الدخل، ليبقى اللاعبون ذوو الأسعار المتدنية والرواتب البسيطة فقط متوافرين لأندية الدخل المحدود أو الفقيرة إذا صح التعبير.
هوامش
الواقع أصبح هكذا، لكل لاعب سعر وراتب لا يمكن أن يتغيرا إلا بهامش بسيط، ما جعل فكرة شراء اللاعبين واضحة المعالم. فلم يعد من الممكن قطعاً لكل نادٍ أن يفكر في جلب اللاعب الذي يريده، أو أن أي مدرب يستطيع بناء التشكيلة التي يرغب بها، بل ينظر إلى ميزانيته وعليه يحدد اللاعبين الذي يمكن لهم أن يضمهم، ما يجعل صورة التعاقدات واضحة المعالم قبل أن تبدأ حتى، فلا يمكن لك أن تتخيل لاعبي الصف الأول من النجوم إلا مع بعض الأندية القوية جداً مادياً والتي تعد على الأصابع، ما يدخلنا إلى باب آخر وهو أن رغبة المدرب بضم اللاعب أو حتى رغبة اللاعب بالانضمام إلى فريق معين لم تعد مهمة أو بالأحرى لم تعد العامل الأول، فربما يريد على سبيل المثال أي لاعب من الصف الأول اللعب مع فريق طفولته، لكن هذا الفريق لا يمكن أن يلبي مطالبه المادية أو يدفع سعره ما يجعل الأمر صعباً ليصبح الحل في معظم الأحيان أن يعتزل اللاعب في صفوف فريق طفولته بعدما يكون قد كبر وقل عطاؤه ما جعل سعره يقل وراتبه أيضاً، لكن لا يستطيع تقديم الإضافة له وتحقيق أحلامه رفقته، لأن مسيرته كلاعب تكون قد شارفت على النهاية.
عرض وطلب
من هذا المنطلق، أصبح مبدأ الوفاء للأندية أو اللعب لها لفترة طويلة غير موجود إلا مع لاعبين قلائل في كل فريق، فمع العرض والطلب، أصبح اللاعب يبحث عن مصلحته المادية وعن العرض الأفضل حتى وصلت انتقالات بعض اللاعبين إلى بعض الفرق الغريمة تصل لحد الاتهام بالخيانة، وتفضيل المال على حب النادي الذي رباه واهتم به وجعل منه لاعب كرة قدم على مستوى مميز، ربما يكون الأمر ليس صحيحاً، إذ إن اللاعب من الطبيعي أن يبحث عن العرض الأفضل وعن المكان الذي يُدفع له المال فيه بشكل أكثر وهذا ما يحصل في الحياة العادية، إذ دائماً ما يختار الفرد العمل الذي يدر عليه مالاً أكثر ولا يتردد أبداً في قبول عرض شركة منافسة مقابل زيادة في الراتب، فلماذا يحق هذا لأي فرد وهو بالطبع جزء من جمهور أي فريق، ولا يحق للاعب ؟
ماذا بعد ؟
لا ينكر أحد بأن الشغف الكروي وحب اللاعب لناديه ورفضه لكل المغريات أمر بدأنا نفتقده تدريجياً وسيأتي يوم نفتقده كلياً ، وذلك في إطار تحول كرة القدم من لعبة الفقراء إلى لعبة تجارية بحتة يكون فيها المال هو العنصر الأقوى، ربما ليست كرة القدم فحسب بل كل تفاصيل حياتنا اليومية .