الموقف الرياضي :
يتزايد الاهتمام بالأكاديميات الخاصة لكرة القدم عندنا التي وجدت فرصتها للبروز والتكاثر بأعداد خيالية في ظل التراجع الذي تعيشه مثيلاتها في الأندية, والتي ظلت لسنين طويلة مضت المراكز لتكوين البراعم والنشء وتطعيم الأندية الكبرى بالمواهب، لكن غياب الرعاية الكافية والدعم انتهى بغالبيتها إلى الهامش وأسهم في غلق الكثير من مراكز التكوين.
في الوقت الذي انحسر فيه دور أندية كرة القدم في تكوين الناشئة وفشلها في اكتشاف اللاعبين الصغار قصد مساعدتهم على التألق مستقبلا، تصاعدت أسهم مراكز التكوين أو ما يعرف حالياً بأكاديميات كرة القدم ، وباتت تستأثر حالياً باستقطاب أكبر عدد ممكن من اللاعبين صغار السن، وتسعى إلى تكوينهم في فضاءات رياضية ملائمة ومختصة ما جعلها حالياً أشبه بمراكز لتفريخ المواهب ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم وصقلها.
وما يدفع إلى الحديث عن الأكاديميات الخاصة لكرة القدم هو تضاعف عددها بشكل غير مسبوق، إذ تشير بعض المعطيات غير الرسمية إلى أن هناك مراكز تضم حالياً ما يقارب عن ألف، وربما أكثر من مركز مختص في تكوين الناشئين والبراعم وتلقينهم أصول اللعبة في سن مبكرة، ومن ثمة مساعدة الأفضل منهم على تطوير مواهبهم قصد الانفتاح مستقبلاً على تجارب جديدة.
ممهدات للنجاح…
منذ عقود طويلة لم يكن هناك أي اهتمام كبير بتكوين اللاعبين في سن مبكرة في ظل غياب مراكز التكوين المتطورة، وانعدام المتابعة للاعبين الموهوبين في سنواتهم الأولى، حيث كان الأمر مقتصرا أساساً على ما يعرف بـ ( اكتشاف الصدفة) ومنذ سنوات عديدة كانت تنظم دورات بين ( الأحياء) وتقام في فضاءات غير مهيأة، ففي كل حي أو تجمّع سكني كان هناك ما يعرف فرق الأحياء الشعبية التي شهدت بروز عدد كبير من اللاعبين تمكّنوا بعد ذلك من الالتحاق بالأندية، ومنهم من تمكّن من الانتماء إلى المنتخبات الوطنية.
وفي تلك المرحلة السابقة من الزمن، لعبت فرق الأحياء الشعبية والدورات بين الأحياء دوراً كبيراً للغاية في اكتشاف المواهب، حيث يحرص مدربو الأندية على متابعة مباريات هذه الأحياء من أجل اكتشاف اللاعبين صغار السن الذين يملكون الموهبة والقدرة على التطور صلب الأندية، بيد أن هذا (النظام) لاكتشاف المواهب بدأ يضمحل شيئاً فشيئاً بحكم تضاؤل الفضاءات غير المهيأة في الأحياء.
وقبل أن تلعب الأندية دور ( الحاضن) للاعبين من صغار السن، بما أن قوانين كرة القدم قد تطورت على امتداد السنوات الماضية وباتت تعطي أهمية متزايدة لتكوين اللاعبين في سن مبكرة، حيث اشترطت على الأندية الكبرى على وجه الخصوص استحداث مراكز تكوين من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من اللاعبين الصغار ومساعدتهم على تطوير قدراتهم.
الهدف الأساسي لتنظيم هذه البطولة هو اكتشاف المواهب واختيار الأفضل قصد تشكيل منتخب قوي قادر على المنافسة ضمن دورات عالمية كبرى، غير أن كل هذه الخطوات لم تجد نفعا كبيراً ، لعدة أسباب أهمها تواضع المنشآت الرياضية لدى أغلب الأندية وعدم قدرتها على مجابهة المصاريف المخصصة لتكوين الناشئة، فضلاً عن اهتمامها المتزايد بالنتائج عوضاً عن التكوين القاعدي.
وكانت أغلب تجارب مراكز التكوين صلب الأندية فاشلة، إذ لم تقدر على اكتشاف لاعبين قادرين بحق على التألق والبروز عندما يتقدّم بهم العمر، ليكون التألق حكراً على بعض اللاعبين الموهوبين الذين تمكّنوا (صدفة) من تطوير مستواهم وأدائهم.
وإن غياب التكوين الأكاديمي والقاعدي وفق أسس علمية صحيحة همّش دور مراكز التكوين صلب الأندية، وجعلها بلا جدوى، لأن هناك عدة أسباب جعلت التكوين القاعدي محدود النتائج، ففي ظل تهافت الأندية على النتائج الآنية وغياب المتابعة العلمية الصحيحة من الصعب اكتشاف عدد كبير من اللاعبين الموهوبين لديهم القدرة على بلوغ درجات متقدمة من التألق والبروز.
خصخصة ومتابعة أفضل
في خضم المشاكل المزمنة التي تعاني منها كرة القدم على مستوى التكوين، بدأت فكرة إنشاء أكاديميات مختصة في تكوين اللاعبين الصغار تتجسد على أرض الواقع مع نهاية الألفية الثانية، ورغم أنها بدأت على استحياء إلا أن عددها ظل يتضاعف بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة.
وما ساهم في انتشار هذه الأكاديميات بعدد كبير للغاية في مختلف المحافظات هو غياب إطار قانوني ينظم عمل هذه المراكز ويحدد أهدافها، والأهم من ذلك غياب القوانين التي تؤطر عملها وترسم أهدافها على المدى المتوسط والبعيد.
بل إن الأمر يقتصر على الالتزام ببعض البنود وفق ما يقتضيه كراس الشروط، وهو ما دفع بعدد كبير للغاية من المدربين واللاعبين القدامى وكذلك بعض رؤوس الأموال إلى الاستثمار في مجال التكوين القاعدي وتشييد مراكز حديثة تستجيب للشروط الضرورية واللازمة لممارسة كرة القدم.
هذه الأكاديميات التي نجحت في استقطاب عدد كبير للغاية من اللاعبين الصغار الراغبين في تطوير مهاراتهم، نجحت أيضاً في
تعويض غياب الفضاءات الرياضية في الأحياء، وتمكّنت من أن تقوم بدور أكبر وأكثر أهمية من دور الأندية المدنية في مجال التكوين القاعدي.
والأكثر من ذلك أن الالتحاق بهذه الأكاديميات والتدرب فيها بإشراف مدربين مختصين، الأمر الذي شجع عدداً كبيراً من الأولياء إلى الدفع بأبنائهم إلى الانضمام صلب هذه المراكز التي باتت محل إقبال متزايد بسبب وجود متابعة دائمة، لتتفوق بذلك على مراكز التكوين التابعة للأندية التي تتسم في بعض الحالات بهيمنة ظاهرة المحاباة وغياب الموضوعية عند انتقاء المواهب.