ما قبل الدخول إلى البطولة.. نأمل ألا يكون كالمعتاد!

الموقف الرياضي- متابعة- علاء محمد:
قبل كل نسخة من بطولة كأس الأمم الآسيوية، كان لنا حكاية، وغالب تلك الحكايا كان فضفاضاً وأكبر من مقاسنا، وكانت النتائج على أرض الواقع تعري أحلاما عشناها، بوضعية المتكلم الذي لا يعرف الصمت.
دخلنا نسخاً من البطولة وقد رشحنا «أنفسنا» للتتويج سلفا، منها في غابر الأزمان، ومنها لم يجف ماؤها على تراب القبر بعد. كذلك دخلنا نسخاً أخرى كنا فيها نعرف، سلفا، أننا لن نفعل شيئآ، وبرغم ذلك سوّقنا بضاعتنا في الإعلام والشارع، وقبضنا ثمنها ثقة مفرطة من الجماهير بتحقيق «المفروغ منه- اللقب» في وقت كانت الآلة الحاسبة التي نستخدمها، رافضة لاحتمالات مجرد الوصول إلى الدور الثاني.
فيما يلي صورة عن الأيام الأخيرة ما قبل كل مشاركة لمنتخبنا الوطني في بطولة كأس أمم آسيا..

الكويت ١٩٨٠
آنذاك، كانت المشاركة الأولى للمنتخب السوري، وقد لعبها اتحاد كرة القدم في ذلك الوقت باحترافية عالية، فأبعد معظم اللاعبين الذين أنجزوا التأهل، وأتى بدلا عنهم بلاعبين شبان، وطرح نظرية «التحضير لتصفيات كأس العالم ١٩٨٢». وبهذا يكون الاتحاد قد صد، سلفا، تسديدات الإعلام والشارع في حال الخروج بنتائج سلبية.
كان المفاجأة أن المنتخب الشاب حقق نتائج معقولة جدآ، ونافس على التأهل للدور الثاني حتى صافرة نهاية المباراة الرابعة. وقيل يومها إن الاتحاد، لو كان يعلم بهذه النهاية لما أبعد القدامى.

سنغافورة ١٩٨٤
كانت الخيبات قد زادت منذ الخروج المبكر من تصفيات مونديال إسبانيا ١٩٨٢، فلم يجرؤ اتحاد الكرة على رفع سقف الطموحات، فأعلن عن مشاركة مشرفة تؤسس لتصفيات كأس العالم ١٩٨٦.. نجح الاتحاد في ذلك، فحقق نتائج مقبولة وغادر مبكرا، واستفاد من دروس المشاركة ، الأمر الذي أسعفه لتحقيق نتائج جيدة في تصفيات المكسيك ٨٦ والتي وصل فيها إلى أعتاب المونديال في أكثر المشاركات بروزا وقربا من السفر إلى كأس العالم.

قطر ١٩٨٨
لأول مرة يدخل منتخب سورية نهائيات آسيا كمرشح للعب أدوار البطولة، وهناك من رشحه للتتويج، قياسا بنتائجه منذ العام ١٩٨٥ في تصفيات كأس العالم، و١٩٨٧ في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط «الذهبية» ووصافة كأس العرب في الأردن ١٩٨٨.
على ذلك، دخل نجوم الثمانينات ملاعب قطر كالطواويس لا يرون أمامهم إلا الكأس، فلامسوه ملامسة العطشى لكأس فارغ.
كان خروجا مهينا، لا سيما أنه جاء مبكرا بهزيمتين بلمح البصر أمام السعودية ٢-٠ والصين ٣-٠، ولم تنفع التغييرات بعد ذلك برغم تحقيق انتصارين على الكويت والبحرين، فغادر المنتخب، وقد تلقى دروسا لم يعرف اتحاد الكرة من أي منهاج أتت!

الإمارات ١٩٩٦
هذه المرة كان لاعبو الشطرنج وكرة الطائرة والكاراتيه، قبل اتحاد كرة القدم ولاعبي الكرة، يدكون مسبقا أننا ذاهبون إلى نهاية مبكرة..
برغم ذلك تم طرح شعارات رنانة في الصحف والبرامج التلفزيونية، غير آبهين بوجود اليابان المتطورة آنذاك، وأوزبكستان المتحفزة، والصين القاهرة لنا على الدوام، وتم تزيين المشهد للجماهير بأن ما جرى في الثمانينات كان عبارة عن نكسات آن أوان تحويلها إلى أفراح.
لم نبق في ملاعب الإمارات أكثر من الدور الأول، فقد سحبتنا الحقيقة من الملاعب إلى المطار، مع دروس أخرى لم نعرف لأي مدرسة تنتمي.

قطر ٢٠١١
بعد ١٥ سنة من الغياب عن البطولة وتغيير نظامها، وزيادة عدد المنتخبات المشاركة فيها، أعلن اتحاد الكرة أننا ذاهبون للوصول إلى دور الأربعة الكبار..
اندفع الإعلام والذي تطور كثيرآ عما كان عليه في حقبة الثمانينات، وشرعت البرامج الرياضية بالترويج لإنجاز مرتقب، واندفع الفنانون لتأليف أغنيات وتقديمها على شرف المنتخب، كذلك تقدم رجل أعمال بعرض للاعبي المنتخب يقوم على تقديم شقة لكل لاعب في أحدث مناطق دمشق إن حققوا اللقب.
ذهب المنتخب إلى قطر وحقق انتصارا غير مسبوق على الأخضر السعودي، فظن اللاعبون بعده أنهم حققوا المبتغى، فاستفاقوا على الحقيقة بهزيمتين «غير منتظرتين» أمام اليابان والأردن والوداع التقليدي المبكر.

الإمارات ٢٠١٩
هذه المرة كانت أكثر مرارة، إذ دخل المنتخب السوري البطولة تسبقه سمعة دبت الرعب في قلوب فرق المجموعة وسائر منتخبات البطولة، إذ أعقبت البطولة سلسلة نتائج غير مسبوقة لسورية في تصفيات المونديال منذ ٣٢ عاما، أوصلته إلى المركز السادس في التصنيف الدولي آسيويا.
أطلق قائد المنتخب عمر السومة تصريحا أحرق به مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه: سنفوز في أول مباراتين على فلسطين والأردن فنضمن التأهل، وتصبح الثالثة غير مهمة مع أستراليا.
لم يبق فنان سوري لم يعبّر عن دعمه وثقته بالتتويج، وخصص الإعلام ساعات وساعات لبث احتفالات استباقية لتتويج بات على الأبواب!
حين دقت ساعة الصفر، حصدنا نقطة «بقلع الأضراس» أمام منتخب فلسطين، وتلقينا أمرّ هزيمة في تاريخنا القاري أمام الأردن ٠-٢، واستعضنا عن كل ذلك بأداء مقبول أمام أستراليا لم يستر عورتنا إلا رقميا لكون الخسارة كانت بنتيجة ٣-٢ ، وخرجنا مبكراً.
النسخة الجديدة
كلف اتحاد كرة القدم المدرب الأرجنتيني القيام بما «يلزمه» في المنتخب، فجهز المنتخب طوال تسعة أشهر بأسماء معروفة، ثم أبعد معظمهم وأتى بأكثر من سبعة لاعبين مغتربين يتمتعون بجنسيات أخرى، واستبعد قائد المنتخب عمر السومة، ولاعب الخبرة محمود المواس، وقال: هذا قراري وأنا مسؤول عنه..
بذلك، يبعد اتحاد كرة القدم أية شبهة إعلامية عنه، لكونه لم يلق بأي تصريح، منتظرا نتائج الخلطة الأرجنتينية، ليحتفل إذا تحقق النجاح، وليقول بأنه منح صلاحيات تامة لمدرب عالمي في حال الفشل، فتتم إقالة المدرب كما جرت العادة..
نصلي لأن تكون المشاركة الجديدة مختلفة عن كل ما سبق، وأن تؤسس لحضور سوري في النسخ المقبلة، وتكون المعين الذي ينهل منه المنتخب في بقية مباريات تصفيات كأس العالم ٢٠٢٦.

المزيد..
آخر الأخبار