متابعة- أنور الجرادات:خطوة على قدر كبير من الأهمية يفترض أن يُقدم عليها اتحاد الكرة في تشكيل لجنة فنية تمثل خليطاً من الأكاديميين والخبراء الكرويين والإداريين تتولى تقديم المشورة وإبداء الرأي في الكثير من الأمور تكون في الغالب شائكة وتحتاج لقرار عادل ومنصف.
وبرغم أن تلك الخطوة ستشيع بين الوسط الكروي الكثير من الارتياح والاطمئنان على سير عمل الاتحاد إلا أنها في ذات الوقت قد تفرز الكثير من التساؤلات المنطقية البعيدة عن الاندفاع العاطفي، وفرحة الاستجابة المتأخرة لأصوات كانت تنادي الاتحاد بتفعيل عمل اللجان الفنية ومنحها مساحة كافية من العمل التضامني للارتقاء بالكرة السورية وتذليل الصعوبات التي تواجهها والخروج من شرنقة التفرّد بالقرار والتصرف التي طالما كانت أحد أسباب التراجع الذي أطاح الكثير من طموحات ملامسة الإنجاز الفعلي.
توقيت واستغراب
من تابع سياسة عمل اتحاد الكرة طوال الفترة الماضية لابد أن يتوقف عند جزئية مهمة متمثلة في عدم استجابته للكثير من الدعوات التي كانت تُطالب في اعتماد لجان فنية متخصصة تتولى التخطيط وطرح الخيارات الصحيحة سواء باختيار الكوادر التدريبية للمنتخبات أم تقديم المشورة الفنية التي تخدم تلك الكوادر في التحضير ومواجهة المنتخبات المنافسة، وقد أدت تلك السياسة المتفرّدة والرافضة لأي مقترح إلى ضياع الكثير من الفرص المهمة وحرمت الجماهير الكروية من رؤية منتخبنا الوطني في النهائيات العالمية والآسيوية، إضافة إلى إخفاقات أخرى، وهنا فإن عملية التغيير المفاجئة التي طرحها الاتحاد من قالب دكتاتورية الرأي إلى ساحة الديمقراطية والانفتاح على طروحات الشارع الرياضي يثير الكثير من الاستغراب والتوجس من انسحاب أسباب تلك الخطوة إلى حيث الدعاية الانتخابية وتلميع الصورة القاتمة التي فضحت بدائية نهج الاتحاد وكثرة أخطائه وابتعاده عن نبض الجماهير، ما يعني أن تكون اللجنة أقرب إلى عملية ذر الرماد في العيون من دون أن تكون لها أي دور حقيقي يحقق الهدف من إنشائها وهو ما لا نتمناه سواء لقيمة ومكانة الأسماء التي قد تشكل منها تلك اللجنة أم للضرر الذي سيُصيب طموح الكرة السورية.
دائمة أم مؤقتة.إن الشكوك والهواجس في قرار تشكيل اللجنة- في حال إن تم- لم تأتِ من فراغ، بل من رؤية منطقية يقف في مقدمتها الغموض في بيان أسباب إنشاء اللجنة، حيث تركز الهدف منها على أن تعطي النصائح اللازمة والضرورية، وهنا لابد أن يتبادر إلى الأذهان تساؤل مشروع: لماذا سيلجأ الاتحاد إلى تطويق مساحة عمل اللجنة وربطه بأمور استشارية فقط طالما أنه على قناعة أن المشورة الفنية سواء باختيار الكوادر أم بالدعم الفني هو ضرورة تصب في صالح الكرة السورية وخاصة أن هناك استحقاقات مهمة قادمة.
إن عملية التحديد وربط (إنجاز تشكيل اللجنة) بفترة بقاء الاتحاد الحالي هي أقرب إلى مساومة إدارية تستهدف استرضاء الناخبين وتوجيه الأنظار إلى وجود تغيير في منهجية وعمل الأعضاء الحاليين منها الى رؤية علمية غايتها خدمة الكرة السورية وضمان وجود سياق دائم ينطلق من مبدأ التضامن في البناء بغض النظر عن إعادة انتخاب الأسماء الحالية أو ظهور هيئة جديدة تتولى تكملة المشوار.
واجب على استحياء
من المعروف أن تشكيل أي لجنة يبدأ من تحديد الهدف ثم ترسم لها سياقات وصلاحيات ووسائل تساعدها على إنجاز المهمة بشكل دقيق ثم يتم تصنيف المشورة بين ملزمة التنفيذ من اتحاد اللعبة أو الكوادر، وبين اعتبارها استشارة عابرة وغير ملزمة وهي بذلك تكتسب القيمة المعنوية والاعتبارية وتتحمل المسؤولية تبعاً لذلك، إلا أن الملاحظ في بعض التصريحات التي انطلقت من هنا وهناك كانت تسير نحو تأكيد (أقرب الى المجاملة) في أن ما ستقدمه اللجنة لا يتقاطع ولا يفرض على الكوادر وأن الأخير هو المسؤول عن الادارة الفنية، وبغض النظر عن حقيقة هذا التوجه فإن ما يُفهم بشكل عام يدل على عنوان واحد لا غير وهو أن اللجنة شكلية في عملها ولا تملك مقوّمات فرض معالجة الأخطاء وإن كانت تبتعد عن أي تبعية لعدم الأخذ بمشورتها لكنها (وهو الأمر المهم) ستكون في مواجهة الشارع الكروي عند أي إخفاق (لا سمح الله) بعد أن تختلط قراءة المهام وتبدأ الأطراف في التنصل من المسؤولية وهو ما حدث سابقاً.
العمل التضامني
عندما تمنح اللجنة الصفة الدائمة في العمل فإنها ستعمل وفق رؤية ثابتة يكون من واجبها تقييم عمل الاتحاد ومدى تفاعله واستجابته لما يطرح عليه من حلول فنية، وبالمقابل تكون هناك حدود لطبيعة وأسلوب التعامل من قبل أعضاء اللجنة حتى لا يتم سلب القيمة الفكرية والشخصية، وهنا فإن استجابة الاتحاد لبعض الملاحظات الفنية لابد أن تقترب من مبدأ العمل التضامني الملتزم بروح المصلحة العامة وتبتعد عن حساسية المنصب وأن ينخرط الجميع تحت سقف تحقيق الغاية والهدف ولذلك لابد أن تسقط من الأذهان نظرية (التدخل وفرض الرأي) وتطرح التشاور والتحاور المهني وفق أسس متينة ومقرّة ومعروفة من جميع الأطراف، فإن نجحت في عملها سيحسب لهم جميعاً وإن كان خلاف ذلك لا سمح الله فإن الكل سيعترف بالفشل بروح رياضية ملتزمة.
رؤيتنا مصلحة الكرة
إننا عندما نشخِّص بعض الثغرات بأي خطوة وخاصة في هذا الظرف الصعب الذي وضعت به الكرة السورية وهي تواجه خطر الغياب عن نهائيات وراء نهائيات فإننا نستهدف تسليط الضوء ولفت أنظار من يعنيهم الأمر للإسراع في وضع الحلول لكل ما يعرقل أو يشوه نيات الإجراءات.
وعندما تكون النيّات والمواقف سليمة لابد أن يكون ما يتبعها دقيقاً وواضحاً ولا يكتنفه الغموض ولا ينتج عنه أي التباس قد يختفي وراءه المقصر الحقيقي، كما أن السياق طالما أنه يصب في مصلحة عامة فإنه لابد أن نعطيه زخم الاستمرارية ونبعده عن مفهوم (الطوارئ) الذي لا يمكن أن يُحقق، فلابد أن يكون الإخفاق (لا سمح الله) هو خيار غير مستبعد عندها سيكون ماثلاً أمامنا الصراع بين لجنة متخصصة تدَّعي أنها نصحت وقدمت الملاحظات لكنها غير ملزمة وبين اتحاد أصرّ على قناعته الفنية وأقسى ما سيواجهه هو الإقصاء وبين اتحاد يُنظّر ويتمسك بموقفه إلا أنه حقق ما هو مطلوب منه ووضع المهمة بين اللجنة المختصة والاتحاد، بينما سيكون الخاسر هي الجمهور!.
باختصار نقول: نحن نطمح إلى حصاد النجاح المتأتي من عمل مدروس يكون ركيزة دائمة لا تشوبه الهواجس، ولا الغايات النفعية ويبتعد عن الاحتمالات الفلكية والأهم الثقة في العمل من دون أن نفكر كيف نهرب من المسؤولية ومن سيكون كبش الفداء عندما يحضر الفشل.