متابعة – أحمد حاج علي:
منذ لحظة التأهل من الملحق على حساب منتخب جنوب السودان، بدأ سقف الطموحات لدى الشارع الرياضي السوري بالارتفاع تدريجياً.
المنتخب السوري لم يدخل نهائيات كأس العرب في الدوحة مرشحاً، ولا مكتمل الصفوف، بل بصفه الثاني وغياب عدد من أبرز نجومه، شأنه شأن معظم المنتخبات المشاركة التي اعتمدت على تشكيلات غير مكتملة.
ومع ذلك، تحولت المشاركة من مجرد حضور إلى مشروع طموح، خاصة بعد الفوز المفاجئ على المنتخب التونسي، أحد أبرز المرشحين للقب وأحد ممثلي العرب في نهائيات كأس العالم.
من الواقعية إلى ذروة الطموح
الفوز على تونس، ثم التعادل أمام المنتخب القطري بهدف عمر خريبين في الدقائق الأخيرة، لم يكونا مجرد نتائج إيجابية في دور المجموعات، بل شكّلا نقطة تحوّل نفسية وفنية.
التعادل مع مستضيف البطولة وصاحب الأرض، والمتأهل إلى كأس العالم، رفع منسوب الثقة إلى أعلى درجاته، ثم جاء التعادل «المنطقي» أمام المنتخب الفلسطيني، والذي خدم الطرفين بالتأهل سوياً إلى الدور ربع النهائي، ليخفف من ضغط المباريات ويمنح المنتخب فرصة التقاط الأنفاس.
عند هذه النقطة، اصطدم المنتخب السوري بواقع مختلف، مواجهة المنتخب المغربي، صاحب المركز الرابع عالمياً، بمنتخبه الشاب بطلاً للعالم وبات يُصنّف بين كبار المنتخبات عالمياً في السنوات الأخيرة.
المغرب.. حيث انكشفت الصورة كاملة
صمد المنتخب السوري حتى الدقيقة 78، وقاتل بإمكاناته، قبل أن تنتهي المسيرة بالخروج من الدور ربع النهائي.
خُتم المشوار بتوصيف «الخروج المشرف»، وهو توصيف اعتاده الجمهور السوري في محطات عديدة، لكن السؤال الجوهري يفرض نفسه: هل يجب أن تقف طموحاتنا عند هذا الحد؟
قراءة فنية.. نتائج سبقت الأداء
ياسر سباعي، المدرب الوطني واللاعب الدولي السابق، يقدّم قراءة هادئة وموضوعية لما حدث، ويفصل بين جانبين أساسيين: النتائج والأداء.
سباعي يرى أن المنتخب حقق المطلوب من حيث النتائج، بتأهل مستحق إلى الدور الثاني بخمس نقاط من فوز وتعادلين، قبل الخسارة أمام المغرب.
لكن من حيث الأداء، يؤكد أن الصورة كانت أقل إقناعاً، موضحاً أن المنتخب لم يقدم المستوى المطلوب أمام تونس، حيث كان الاستحواذ تونسياً، وجاء الفوز من كرة ثابتة واحدة.
وفي مواجهة قطر، كان المنتخب القطري الطرف الأفضل، قبل أن تحسم لحظة فردية النتيجة في الدقائق الأخيرة.
أما لقاء فلسطين، فيصفه سباعي بمباراة غابت عنها كرة القدم من الطرفين، وكان التعادل هدفاً مشتركاً.
ويضيف أن مباراة المغرب كشفت الخلل بوضوح، لا سيما على الصعيد الهجومي، حيث كان المنتخب المغربي الأفضل واستحق الفوز، مع الإشارة إلى الجدل التحكيمي حول ركلة جزاء لم تُحتسب لسوريا كان من الممكن أن تغيّر مجرى اللقاء.
ويخلص سباعي إلى أن النتائج جاءت «بطفرة أحداث» أكثر من كونها نتاج أداء ثابت، مؤكداً أن تصحيح المسار يحتاج إلى وقت غير متوفر حالياً.
بين الواقع الآني والبناء الغائب
من زاوية مختلفة، يضع الصحفي السوري بشار حاج علي يده على الجرح الأعمق.
فهو يرى أن العمل في المرحلة الحالية يجب أن يكون «بمن حضر»، مع البناء على هذا المنتخب بشكل احترافي، وتشخيص السلبيات والإيجابيات بوضوح.
لكنه يشدد في المقابل على أن أي حديث جدي عن بناء منتخب قوي لا يمكن أن ينجح دون العودة إلى الجذور.
حاج علي يؤكد أن الأساس الحقيقي يبدأ من الأندية السورية، وملاعبها، ومنشآتها، وتأهيل المدربين عبر دورات تخصصية حقيقية، محذراً من أن تجاهل هذا المسار لن يخدم مستقبل الكرة السورية.
كما ينتقد الاعتماد على الحلول السريعة عبر استدعاء اللاعبين المغتربين، معتبراً أن هذا النهج قد ينتج مستوى جيداً أحياناً، ومتوسطاً أو ضعيفاً أحياناً أخرى، لكنه «لن يصنع نهضة كروية حقيقية، ولن يقود إلى حلم الصعود لكأس العالم».
نقطة انطلاق لا يجب أن تتحول إلى طفرة
أما معن الراشد، اللاعب الدولي السابق، فيقدّم نظرة أكثر تفاؤلاً، دون أن يغفل عن التحذير.
الراشد يرى أن المنتخب قدّم في البطولة مستوى مخالفاً للتوقعات، خاصة وأنه لعب في مجموعة واحدة مع منتخبي تونس وقطر المتأهلين لكأس العالم، ثم واجه المغرب في الدور الثاني.
ويشير الراشد إلى أن أبرز ما ميّز المنتخب كان الانضباط التكتيكي والروح الجماعية، معتبراً البطولة نقطة انطلاقة مهمة، رغم وجود نقص في بعض المراكز، وهو ملف يجب أن يُدار بالتنسيق بين الكادر الفني واتحاد الكرة.
كما يلفت إلى وجود خمسة أو ستة لاعبين من الفئة العمرية الصغيرة ومن المنتخب الأولمبي، وهو مؤشر إيجابي، إلى جانب لاعبين آخرين يمكنهم الاستمرار لأربع أو خمس سنوات مقبلة.
لكن الراشد يشدد في ختام حديثه على ضرورة ألا تتحول هذه المشاركة إلى «طفرة عابرة» تضاف إلى الأرشيف دون استثمار حقيقي.
إلى أين من هنا؟
بين الخروج المشرف، وذكريات 2017 حين كان المنتخب السوري على بعد خطوة من كأس العالم قبل أن تتبعها خيبة الخروج المبكر من كأس آسيا، يقف المنتخب اليوم أمام مفترق طرق جديد.
الاستحقاقات القادمة قريبة، والفرصة لا تزال قائمة.
الحفاظ على هذا المنتخب وتطويره لا يكون بالاحتفاء المؤقت، ولا بتكرار خطاب الطفرات، بل بوضع خطة واضحة المعالم: استقرار فني، تقييم واقعي للأداء، تطوير القاعدة الكروية، وتأهيل الكوادر، وربط نتائج المنتخب الأول بمشروع وطني طويل الأمد.
عندها فقط، يمكن أن يتحول «الخروج المشرف» إلى خطوة في طريق إنجاز حقيقي، لا محطة عابرة في ذاكرة جمهور اعتاد أن يحلم، ثم ينتظر من جديد.